ما هو الفرق بين “الصراحة” والصدق و”قلة الذوق”؟.. ليست القاعدة -رعاك الله- أن تُشهر سيفَ نقدك على الناس بحجة الصدق والأمانة في القول والعمل، وكل هذا من أجل كلمة أو فعل عابر قد لا يستحق كل هذا.
لا يَعْني الحديث أن تكون أيضًا مُنَافِقا صامتًا تُصفِّق مُبتسمًا، وكأنك تؤيد كل أفعال البشر، وكأنها منزَّهة عن الخطأ.
هناك شيء بين هذه وتلك، إن لم يكن لك قدرة على فعلها، فإنَّ اجتنابها ربما يقيك سوء الظن، ويرفع عنك الحرج، لكنه لن يعفيك عن السؤال: أين انت من كل هذا؟
إن أردت أن تعلم من هو الصديق الصادق، فعليك أولا أن تكون أكثر صدقا مع نفسك، وأن لا تطلب المستحيل من غيرك وأنت تنشده في حديث تحدث به نفسك، ألست أولى به من ذاك الرجل؟!
لا رَيْب فنحن نعيش في زمن المتغيرات، واختلاف بعض المعتقدات الشخصية، أو ما كنا نظنه كذلك، والتي كانت يوما من المسلمات، بل ومن يتجاوزها، فقد أتى شيء لا يمكن تقبله أو السكوت عنه “زمن الطيبين”.
لكنها اندثرتْ وانتهتْ وأصبحتْ من تراثنا، نُحدِّث بها أبناءنا ونتندر عليها أحيانا آخر.
اللافت أنَّ البعض يلبس نفسه رِدَاء لا يليق به، ويلعب دورا يفوق قدرته، ويتلون كما لو أنك لم تكن يوما تعرفه؛ ليس لتميز علم اشتهرَ به، أو نقص معرفة وجهل حلًّ به، أو لوجاهة مال أو منصب يتقلده، ولكن لأنني أعلم من هو، وأين مرتعه، ومع من يمارس لعبته.
يُقال إنْ أردتَ أن تعلم مِقْدَار ما تحمل من حب وإنسانية وتقبُّل للآخرين، فعليك أن تراقب تصرفاتك مع من هو أقل شأنا ومنزلة منك، وليس مع من يفوقك قدرا وقامة؛ فهناك أنت من يقرر، وهنا أنت من ينفذ.
هنا فقط، تستطيع أن تقول رحم الله أمرأً أهدى إليَّ عيوبي.
المجاملة نوع من إنكار الذات في وقت مُحدَّد لموقف ما وتنتهي، هنا ليس أكثر من ذلك، وقد لا تتكرر في وقت آخر للموقف ذاته إن حدث.
لكنَّ النفاق شيء آخر تتقاطع فيه المصالح وتضيع معه الحقوق.. إنه أشبه بالمرض العضال يتلبسك قولاً وعملاً، ولن تنفك عنه حتى يهلكك ويرمي تبعات الحزن والألم لمن حولك.
النقد الحقيقي أن تبدأ بذاتك، وتتجرد من كل مصالحك الشخصية؛ لتكون مُنصِفًا عادلا ومسموعا. علما بأنَّ الحقيقة لن تكون ما تعرفه أو تراه أنت وحدك. يقال بأن الحكاية لها أكثر من راوٍ لم تتغير الرواية ولكن اختلف الرواة.
———————–
ومضة:
صاحب الرأي لا ينتظر مدحًا من أحد أو قدحا.