مع توافر المعلومة وسهولة الوصول إليها، وربط الشرق بالغرب عبر وسائل التواصل المتعددة، وتنوع استخداماتها، بل وإتقان الأغلبية لها، فأنت الآن قد تستغني عن السفر وتكبُّد عنائه ومشقته من أجل محاضرة في تخصص دقيق، وتستطيع حضورها صوتا وصورة، وأنت لم تتجاوز غرفة مكتبك.
ولكنَّ الملاحظ، وهذا ما يدعو للتساؤل، أنَّ بيننا من لا يزال يعتقد أنه يملك المعلومة، وينفرد بها دون غيره لمجرد حصوله على تعليم عالٍ أو دورة في مجال معين، وقد يصل بالبعض منهم إلى الإنكار عليك ومحاصرتك بشتى الاستفسارات ليس للمعرفة وإنما ليرد عليك ويُنكر مصادرك؛ انتصارًا لما يملك هو دون غيره من معرفة، على اعتقاد بذلك، وليس ليقين مطلق، يجعله مرجعا يستند إليه.
هنا… لسنا دعاة لممارسات لا تتوافق مع التخصص، نحن نتحدث عن سبل المعرفة وطرق الوصول لها فقط.. والشواهد على ذلك كثيرة ومتعددة: فقد تحضر في غرفة أحد المستشفيات الكبرى (نقل مباشر) لإجراء إحدى العمليات الدقيقة، وتزود من خلال ذلك بالمعرفة والثقافة العامة، وهذا لا يعني أن تكون طبيبا جراحا، وإنما أنت تعلم الآن ما لم تكن تستطيع أن تتعلمه وتلم بتفاصيله الدقيقة في مرحلة سابقة. الأعجب والمثير في الشأن ذاته، أنَّ من يرفض كل هذا يُمارسه معك في مجال آخر بعيد كل البعد عن تخصصه.
لديَّ قناعة، وربما يجانبها الصواب، وهي مثار جدل دائم، بأنَّ البعض سُحب منه بساط احتكار المعلومة؛ فأصبح يُجاهد باستماتة لحصرها في شخصه الكريم؛ ظنًّا منه أنه أفنى سنوات عمره يبحث عنها، متنقلا في أرجاء المعمورة باحثا، والآن يستطيع أحد أبنائه تزويده بها من خلال “كبسة زر”.
في الماضي، كان المتحدث شخصًا واحدًا، وتسلط عليه الأضواء وكأنه وحيد زمانه؛ احتراما لعلمه وتخصصه، الآن تجد الجميع يتحدث ويناقش في أدق التفاصيل، وهذه دلالة على تفوق الجميع لتوفير المعلومة، وأخذها من مصادرها مباشرة، فلم يعد هناك ما يمكن إخفاؤه أو صعوبة الوصول إليه، فقط تحتاج ذهنا حاضرًا ومتابعة مستمرة لكل ما هو جديد.
ومع كل هذا، يبقى التخصص مطلبا بجانب اكتساب المهارة لأهميتها، ونشدد على هذا بعد أن أصبحت مطلبا يفوق ما تملك من شهادات.
… في ظل المعلومة المشاعة للجميع دون تفرد من أحد.. الفارق هنا هو “المهارة”.
——————-
ومضة:
“من ينظر لك بعين السخاء، انظر إليه بعين عطاء دائم لا ينتهي”.