في البداية ترددت أكثر من مرة في كتابة هذا الموضوع فقد أخذت على قلمي عهداً بعدم التطبيل لمسؤول بالمنطقة للأسباب التالية : إن عمل المسؤول ؟ فهذا هو واجبه الوظيفي الذي من أجله أحتل المنصب والمسؤولية وفي آخر الشهر يستلم عليه مرتبه الشهري نظير العمل والمسؤولية التي يؤديها بالدولة لخدمة المواطنين وجميع المقيمين على أرض الوطن . ولكن هذا المواطن المسكين الظاهر في الصورتين المرافقة هنا هو من أجبرني على كتابة هذا الموضوع والكلمات المتواضعة كشكر وتقدير لمسؤول يستحق أفضل وأحسن منها .
هذا المواطن اسمه / محمد عيسى ابن عبده ، من سكان حارتي في حي الشامية الأصليين بمدينة جازان ، والذي يعتبر وسكانه النواة الأساسية المكونة لكل مدينة جازان . منذ بدأت أعي الحياة وأنا أشاهده يومياً من بعد الفجر إلى بعد الظهر يعمل بائع في سوق السمك ، ومن بعد العصر إلى وقت النوم أشاهده في الأزقة والمناسبات الاجتماعية رجل نظيف وحسن الهندام وصاحب عناية خاصة بمظهره ويشهد له جميع سكان الحيّ بذلك . ويسكن وحيداً في قطعة أرض صغيرة مستقلة خلف بيت خاله وملاصقة لبيت شقيقه الأكبر . هذه القطعة الصغيرة مكونة من غرفة واحدة وحمام وفسحة صغيرة مكشوفة بين الباب الخارجي والغرفة هي كل عالمة الذي لا يشاركه فيها أحد . في إحدى مراحل شبابه قرر / محمد عيسى ، الزواج والاستقرار وحين لم يستجاب لطلبه صرف النظر عن الزواج وواصل سير حياته كما هي إلى أن وصل إلى الستين ـ (60 سنة) ـ من عمره شعر بآثار تقدم العمر عليه فقرر الاستراحة والاعتماد على معونة الضمان الاجتماعي الشهرية لبقية حياته وبالفعل تقدم لمكتب الضمان الاجتماعي ولكن طلبه رفض بسبب أن آخر تحديث لبطاقته الشخصية كان قبل أربعين سنة ، فبدأ مشوار روتين تجديد البطاقة الشخصية إلى أن وصل إلى مشارف السبعين من عمره حصل على بطاقته الشخصية المجددة التي فرح بها كثيراً لتحقيق أحلام بقية حياته ، ولكن هذه الفرحة لم تكتمل لـ / محمد ، حيث أثناء فترة انتظاره لتحقيق حلم راحته انتقل شقيقه الأكبر بأسرته إلى منزل جديد في حيّ بعيد عن حينا وأنتقل بعدها إلى رحمة الله ، وكذلك خاله أنتقل إلى رحمة الله وانتقلت أسرته إلى بيت جديد في حيّ جيد وجاء قرار إزالة حكومي لبيت خاله الذي يستر بيته الصغير ويزوده بالكهرباء وتم تنفيذ قرار الإزالة لبيت خاله في اليومين الماضيين ليجد المواطن / محمد عيسى ، نفسه فجأة بلا بيت ولا أسرة ولا صحة تساعده على تحمل ما تبقى له من الحياة كما هو ظاهر في الصورتين هنا وأن جميع الظروف تكالبت لقتل فرحته بتجديد بطاقته الشخصية ، وإذا سلمت عليه وسألته عن حاله ؟ لا يرد عليك إلاَّ بدموع حسرته على نفسه وعلى الحال الذي وصل إليه .
قبل يومين بعد صلاة الظهر اتصل عليّ سعادة عمدة حينا ، د / حمزة بن عمر عقيل ، كما وعدنا في حملته الانتخابية لمنصب العمودية ، لمقابلته بعد صلاة المغرب في مكتبه من أجل التحاور وتبادل الآراء بشأن قرار الإزالة الجاري في حينا للمباني القديمة الآيلة للسقوط ، وللمباني العشوائية المنزوعة ملكيتها من أجل إنشاء شوارع أمنية للحيّ . فذهبت على الموعد لمقابلة العمدة وفي بالي وخاطري وروحي هموم ودموع المواطن / محمد عيسى ابن عبده ، وبعد ما انتهينا من النقاش مباشرة قلت له : يا د / حمزة ، ودي أعرض عليك قضية المواطن / محمد عيسى ، وكلي رجاء أن تجد الحل الناجع لها ؟ فقال لي العمدة ـ د / حمزة ـ : اليوم بعد صلاة العصر ذهبت إليه بنفسي وتكلمت معه عن مشكلته وقلت له : سأطالب عنه الجهات المختصة بأن تقوم بإصلاح كل ما لحق بمنزله من أضرار من عملية الإزالة ، ووعدته أمام نفر من سكان الحي : بأنه في حالة عدم استجابة الجهات المختصة لمطالباتي بأني سوف أقوم بإصلاح جميع ما لحق بمنزله من أضرار من جيبي الخاص ليعود إلى بيته معززاً مكرما . فشكرته على موقفه النبيل ، وودعته وفي داخلي ظن آثم مما قاله لي ! ، وتوجهت مباشرة إلى المواطن / محمد عيسى ، وسألته : هل قام العمدة اليوم بزيارتك ؟ فأخبرني أنه قام بزيارته ، وأخبرني بنفس الكلام والوعود التي قالها لي عمدة حينا ، وأكد لي ذلك بعض سكان الحيّ الذين حضر اللقاء بينهما ، وهنا شعرت بغصة الظن الآثم الذي خالجني تجاه العمدة ، وجئت أقول له : سعادة عمدة حينا ، د / حمزة عقيل ، شكراً لك ، وأرجوك تقبل عذري ـ لأنني بشري ـ على الظن الآثم الذي خالجني تجاهك ، وأسمح لي بسبب هذا الموقف وجميع المواقف النبيلة التي يشهد بها الجميع لك أن أطلق عليك لقب : (العمدة الإنسان) ، الذي تستحقه .