اشتاقت الغالية على قلبه للخضير، ذكّرته أنها أحبته ذات مساء، كان طريرًا يقطف العذوق ويغني للمساء مع الطيور التي امتلأت بطونها ثم طارت جذلى، قالت له :إنها تعشق الأمسيات الفاتنة كالأصيل الذي يطرزه لون القصب الأخضر والعذوق والطيور المشاغبة، أسرّت له وهي تسايره نحو المساحات التي غطت الطين، السنابلُ تتحدى هواء المساء فلا يحركها كما كان يفعل من قبل، قالت له يارفيق العمر: أريد من الحَّب الأبيض الذي يشبه صفاء قلبينا، يبدو طريًّا لم يشرب كل ماءه ، واللون الأبيض فيه كالليالي المقمرة التي كنا نبيت نتسامر فيها ونخبط العذوق بالعَصاة كي تكون نجومًا متناثرة أمام ناظرينا، لم يخيّب ظنها ، جلست على الطين تدندن بأناشيد الذكريات ثم تخط بإصبعها على التراب قصتهما، جذّ بضع سنابل وعيناها على يديه التي احتضنتها يومًا بحنان، لم يستمر في حصد عذوق الخضير، جرحَ يده قبل المغيب، سال دم إصبعه على عذق أحمر تسلل بين العذوق البيضاء، نهضت ويدها على رأسها تولول على حبيب العمر، ربطت بجزء من خمارها على مكان الجرح، أراد أن يقبّل يدها لولا أن سمع أصوات الحماة على المزارع وتراتيل الحصاد، جلس على الأرض ليكمل ماخطّته يدها على الأرض، أمسكت بآلة القطف كي يمتلأ الزنبيل بالسنابل، انتهت المهمة عند المغيب ، أمسكت بطرف الزنبيل وتكفلت يده السليمة بالطرف الآخر، رجعا إلى البيت بالخضير، طحنت الحب الأبيض على مطحنتها الحَجرية بعد خبط العذوق، أدخلت الحطب في التنور وبقيت عنده تنتظر النار حتى تلتهمه، وضعت العجين في التنور ثم أخرجت الخبز ولايزال بعض جرح رفيقها ينزف، وضعته على الأرض في منسف من حصير، أراد أن يطعمها بيده فلم يستطع من الألم ، تفرغت لتطمعه؛ مرة تمدُّ يدها في فمه وأخرى تضعها في فمها، في الصباح قرّبت الفحم وجدَّدت ناره ثم وضعت عليه ما بقي من العَشاء، نادته ليشاركها الخضير واللبن على الإفطار، مرت العصافير من فوقهما باتجاه المزارع قبل وصول الحماة على السنابل.
المشاهدات : 41171
التعليقات: 0