حين طلبت منا المعلمة المشاركة وشددت على ذلك لم أجرؤ على رفع يدي ، تذكرت بكاء أمي ليلة البارحة لأن ثوب أخي تمزق وسيضطر للغياب حتى توفر له ثوبا آخرا.. في الغالب ستأتي به من الصناديق الخضراء المركونة في أطراف الشوارع ، والتي قد امتلأت بروائح القطط المشردة.
أحب وطني وأرغب في إحضار أي شيء لأجله ، ولا أستطيع مشاركتهن لأني لا أملك المال.
قبل موعد الاحتفاء بيوم خطرت لي فكرة ، لا أظنها خطرت ببال إحداهن قبلي.. تسللت خلف (الخالة) وقد كانت تحمل في كلتا يديها أكياسا سوداء ممتلئة ببعض الأعمال التي خصصت للأسبوع التمهيدي .. كان وقت الفسحة، ولأني ككل يوم لا أتناول وجبة الإفطار.. كان الوقت مناسبا لي، لم يشعر بي أحد.. أكثرت النظر خلفي..أسمع صوت جلجلة المفاتيح في جيبها فأتقدم أكثر..خشيت أن تشعر بي فخلعت حذائي ومشيت.. فتحت باب المخزن وأدخلت الأكياس فتسللتُ كقطة تبحث عن ماء لتشرب..
تناولت أول كيس كان بالقرب من الباب ، لا أعلم ماذا يحوي لكني أخذته وهربت.. شعرَت بي فالتفتت بسرعة ورأتني أجري، فلحقت بي ، انطلقت وأنا ألهث للطابق العلوي حيث فصلي وضعت الكيس على عجل في حقيبتي الممزقة وتوجهت مسرعة إلى الباب ، أمسكت الخالة بكتفي وشدتني إليها بقوة ثم رفعت صوتها الذي طالما كنت أخشاه – أيتها السارقة الصغيرة.. ستنالين عقابك الان.
أدخلتني على قائدة المدرسة وشرحت لها كل شيء.. ثم وجهت لي السؤال ؟ أين حذاؤك ؟ نظرت لقدمي وكانت جواربي ممزقة قد خرجت منها بعض أصابعي ، هممت بالخروج للبحث عن حذائي فجذبتني الخالة مرة أخرى وشدت قبضتها.. يجب أن تعاقب على فعلتها ،
-نعم ستعاقب ، وستحرم من دخول الفصل باقي النهار إلا أن حكت لي مالذي كانت تنوي فعله!
-صدقيني يا أستاذة لم أنوِ فعل شيء ، وددت النظر للمخزن فقط
-إذن ابقِ هنا حتى نهاية الدوام.
مرت الساعات ثقيلة جدا ، لم أر صديقاتي وهن يتدربن على النشيد ككل يوم ، ولَم أحضر باقي الدروس..لكن لا يهم فيوم غد هو عيد الوطن وسأكون حاضرة.
عدت للمنزل بكيت في حضن أمي وبكيت ، كانت تبكي معي لأنها اعتادت بكائي كل مرة لا أتناول فيها وجبة الافطار ، وكل مرة تفوتني المشاركة في إذاعة الصباح لتعطل السيارة التي تقلنا للمدرسة.. تبكي معي وتحتضنني بصمت ، تمسح على رأسي فقط ودمعها يقطر على خدي..ذلك الدمع الذي اعشوشبت منه روحي، فأسترد عافيتي وأنطلق من جديد ، فتحت حقيبتي المدرسية لففت الكيس جيدا بداخلها حتى لا يقع مني ، انطلقت صبيحة اليوم التالي لمدرستي، تمسكت بحقيبتي بكل قوة ، الكل مستعد، القائدة والمعلمات والطالبات
كلهن توشحن بالخضار ، الشعارات والبالونات الخضراء ترفرف في كل مكان، خدودهن ملونة باللونين الأبيض والأخضر ، المسرح مكتمل وكراسي الجلوس جاهزة وشاشة العرض ومكبرات الصوت، كل شيء في مكانه ، وأنا أقف في مكان قصي أضم حقيبتي لصدري وقلبي هناك حيث هُن واقفات ، ما أجملهن وما أبهاهن ، لكم تمنيت أن أقف لأجلك يا وطني هناك وأغرد كما يغردن ، وأرقص كما يرقصن.. حضر الجميع وأخذ كل مكانه ..
امتلأت الساحة بالطالبات ، وبدأ الاحتفال
توالت فقرات الحفل وتحدثن عن إنجازات الوطن ، وشجاعة جنودنا البواسل ، والفتوحات العظيمة..تخلل الفقرات الكثير من الرقص والنشيد وأنا لازلت في مكاني ،
فقرتهم الأخيرة عن أبناء الشهداء ، وقفن بنات الشهداء صفين متقابلين يرتيدن فساتين خضراء وتحمل كل طالبة صورة أبيها.. ارتفع صوت الموسيقى والنشيد ، شعرت فجأة بيد تمسك كتفي رفعت بصري إذ بها أمي وفِي يدها صورة أبي عندها فتحت حقيبتي وأخرجت منها علم مملكتي وحملت صورة أبي وانطلقت باتجاه المسرح مسرعة ، باءت محاولات إمساكهم لي بالفشل وقفت في المنتصف ورفعت العلم والصورة ورفعت صوتي أنا اليتيمة ابنة الوطن، أنا اليتيمة ابنة الوطن ..