مُّـرَ بدندنة كهل اثقل الدهر فكره وجَنَّانه ، فوجدت مزاحْمٍ بركبته يستلظ بعرجون انهكه السهر ، داعبْ فرسه ، يتلذذ بإهراق مداد النُهى ، سكبَ المداد على رَقوق محفوظ،
إذا قادت الخطى فَتَّرققْ،
فمَرَرْتَ بصبية يلعبون حُفاة ، ببحر هاديء، بحديقة تناثر ورقها ، بجدول منسيّ ، بمركب محطّم على شاطىء والمراسي مهجورة…
إذا مررت بكادح مغترب ، بأسكافي بسيط ، بثكلى مُجْهَدَة ، ببيت أسيف ، بقطع اوراق قاومت الخريف وبقايا عُش طيرٍ يأبى الافول …
إذا مررت فَرِّقَ بهن رقيقات وهنَّ بليلى وقيس قد تعلقنا بالشّرفات…
إذا مررت بلاهٍ غافل في خطاه في متاهات الدّروب ، فضيّعته الفراغات ، وخذله قدوات الطريق ،وبقايا الرّفاق القدامى القابعون على اعتاب الحوانيت …وقُطاع ضمير..
إذا صادفك قطّة جوعى ، ومررت بنملة كادحة ، بزهرة على شرفات السّور ، وسمعت بأنين جارح ، بهمسة باكية ، بأصمّ ، بضرير ، وبمعتوه…
اذا طرقت الامكنة وبقايا الذكريات ..
إذا مررت بأمكنة يرتادها الغرباء والكادحون ، وعشاق البيان ، وأبناء الوحدة والوحشة والسّبيل…
إذا مررت ببيوتات خَبَت وترمدت نيران موقدها العتيق، وبردت ثالثةُ أثافيها ، وأضاءت المذلّة جباه ساكّنها الوحيد …!
إذا مررت بساحة عدلٍ ، بإذى ، بسجن محصناً منعزلاً ، بمنفى ، بميناء متهالك موحش ، على أرصفته الباردة مكلومات ينتظرن عودة بحّارةً من رَحِم الغيب…ومن غياهب لُجّي مظلم مُسّود مخيف !
إذا مررت بشمس خجولة ، بقمر وضّاء ، بجنديّ مشلول صامد وحزين ، اذا مررت بمسافر برحلة ذهاب بلا عودة ، بطفل يتسوّل وفي قلبه كل الفصول في مدرسة الثراء الباذخة، وصادفت شيخ يتوسّل يستجدي ويقول بياض شعري عزّك يارمز العقوق،
اذا تناغمت الارواح والرّوح تبكي دماً…
إذا مررت بمَقعد خشبيًّ عتيق في حديقة شاخت فيها الغصون ، شاغرة من ترانيم الوالهين ، بشاعر حزين هجرته القصيدة واجدبت كل مقامات الفنون ، اذا مررت بالاحزان ..
على أحزن ما يرام…
إذا مررت بنافذة تطلّ على مغارات الوحشة والوحوش، بمقبرة أكبر من قريتك التي في صدرك المضنوك، بقطرة ضوء لم يرآها أحد ، واستبشر بها عجوز كسيح ضرير ، بنخلة وحيدة يابسة في فلاة كأنها الاعجاز بل الخاويات والمنقعرْ ..
إذا مررت بعدوّ عاقل أرحم من غادرٍ صديق لصيق ، اذا مررت بساعي بريد لم يعثر على العناوين ، وتعثرت الخطى ، وتبددت وتلاشت
بقايا حروفٍ في سطور ..
اذا مررت بأمّ عظيمة كأمّي ، على جبينها المئات من قصص الصّبر الطّويل…
إذا مررت بكاتب يبكي في الزحام ، اين الكهف ، أين وَرَقَكم وورِقِكم ان كنتم تَعّبْرون ..
(كهذه الطلاسم والحروف)
إذا مررتم …بها ..
أَلْقِ السّلام فحسب ، ستتبعك الكلمات.
وترتشفك المعاني .
وسيبُعث المدفون من القلب والقلم ..
وسيسمعُ باذنيه من به صممُ ..
وسيجتمع الرفات ..
وتُبنى الصلايا فنار الشواخص والشواهد والقمم ..
الوّراق
ابويوسف
مشبب بن ناصر المقبل
21515