جريدة الرياض
عرض وتحليل: حمد حميد الرشيدي
عن “مركز الأدب العربي للنشر والتوزيع” بالدمام صدر هذا العام ديوان شعر بعنوان “خواطر حيرى” للشاعر السعودي محمد مهاوش الظفيري، ويقع هذا الديوان في حدود 80 صفحة من القطع الصغير، يضم مجموعة من النصوص الشعرية المتنوعة، من حيث الشكل بين العمودي والتفعيلي، ومن حيث المضمون بين الشعر الوجداني والغنائي والديني والوطني، بالإضافة إلى الأغراض الشعرية الأخرى، التي طغى على معظمها طابع “شعر المناسبات” كالشعر السياسي، الذي يتناول شيئاً من القضايا والأحداث التي تتعرض لها بعض البلدان العربية، مثل القضية الفلسطينية، وأحداث “الربيع العربي”، وغيرها.
أما من حيث اللغة التي امتازت بها جميع نصوص المجموعة فقد كانت – في مجملها – بسيطة، سلسة، كثيراً ما ترتكز على الوضوح والمباشرة في النصوص”العمودية/ التناظرية”، لكنها تجنح للرمزية والغموض في النصوص “التفعيلية”!
وهذا يعني أن مسألة “الشكل” هنا تلعب دوراً واضحاً ومهماً في آلية تعامل الشاعر مع كتابة النص الشعري، وكيفية بنائه فنياً ولغوياً.
وكمثال على ذلك قوله من قصيدة بعنوان “ربة الشعر”:
تملكتني ربة الشِعر وقد رماني سهمها العذري
بكل ما طاب وما لذ لي فسال في دفاتري يجري
الشعر مفتاح بحور الهوى من خاضه يدري ولا يدري
كتبته غضا ولما يزلْ يكتبني في شرفة الفجرِ. الديوان: ص30.
وكذلك قوله من نص تفعيلي آخر بعنوان “الأجنحة المنسية”، وهو نص يعد من أجمل النصوص التي ضمها الديوان، إذ يقول من ضمن ما جاء فيه:
…وفي زمن اشتعال الثلج، سيدتي
يموت النخل ظمآنا
وتهرب من جحيم الليل، في فزعِ
عصافيرٌ من الأقمار ورديهْ
أسيدتي..
ضجرنا من بياض الوقت، يسكرنا
ويسقينا..
على الطرقات أوهام النبوءات النحاسيهْ
كرهنا متعة الادمان منهاجا
وموسيقى الأحاديث الزجاجيهْ
وما عدنا نرى الدنيا، كما تبدو
وأبحرنا سكارى، في قفار التيه نستجدي
رماد العيش والنشوهْ. الديوان: ص55.
ومن السهولة بمكان أن يلاحظ القارئ – كما مر بنا أعلاه – فرقاً واضحاً بين هذين النصين “الأول والثاني” من حيث اللغة والتعامل مع فنيات الصورة الشعرية وتراكيبها، حيث اعتمد في الأول على الوضوح، والاسترسال الشعري المباشر، بينما اعتمد في الثاني منهما على الغموض والإيحاء والرمز، مما يؤكد لنا ما سبق ذكره من أن “الشكل” بالفعل كان عاملاً مهماً بالنسبة للشاعر، لدرجة تحكمه في خط مسار لغة النصوص ككل، وتأرجحها أو مراوحتها بين المباشرة والرمزية.