ليس هناك فردٌ في الحياة إلا ولديه مشكلات حسب درجتها ونوعها ، كالمشكلات النفسية والسلوكية والاجتماعية والمهنية ، ولا يقاس التوافق النفسي السليم بمدى خلو الفرد من المشاكل، وإنما يقاس بضبط ذاته ومدى قدرته على الاتزان الانفعالي والمرونة العقلية في المواقف التي يتعرض لها ويتطلب فيها ردود الفعل المناسبة للمحافظة على الصحة النفسية والعلاقات الشخصية .
وتعتبر المشكلة حالة أو موقف يتضمن خللاً أو أزمةً بحاجةٍ إلى مساعدةٍ ومساندةٍ من أجلِ الوصولِ إلى هدفٍ معين يترتب عليه حاجات غير مشبعة أو عائق يحول دون إشباع حاجات الفرد وتظهر أثارها على الشخصية مثل ضعف الضبط الذاتي والتعلق والقلق والحزن والحساسية الزائدة والغضب ، لأسباب بسيطة والتعبير عنها بالعدوان والاعتداء على الآخرين ؛ والمخاوف المرضية مثل الخجل والخوف من الحديث مع الآخرين أو أمام الطلبة في الحصص الدراسـية والتّـردد في الإجابات وعدم المشاركة في الأنشطة والفعاليات والبرامج الترفيهية وقد تسبب له اضطرابات انفعالية كالشعور بالنقص والشعور بالذنب ، بالإضافة إلى الاتكالية والاندفاعيـة والعدوانيـة .
ومن الأسباب التي تؤدي الى ظهور هذه المشكلات هي التنشئة الأسرية والأساليب التربوية التي يتبعها الوالدان في
تنشئة أطفالهم والتي لها الأثر الأكبر في تشـكيل شخصـية الطفل ، و ما يراه الآباء ويتمسكون به من أساليب في معاملة الأطفال في مواقف الحياة المتعددة ، وتبرز في الأساليب التربوية والتقارير اللفظية مثل الرفض أو الإهمال ، ونقص الرعاية التي تؤدي الى فقدان الأمن النفسي ،والوحدة ومحاولة جذب انتباه الأخرين ، كما أنها تؤدي إلى الجمود العاطفي والسلبية والخضوع والعدوان والتمرد ، كما أن أسلوب الحماية الزائدة تجعل الفرد لا يشعر بالمسؤولية وليس لديه القدرة على مواجهة ضغوط الحياة وقد يستخدم الوالدين أسلوب السيطرة والتسلط مما ينتج عنه الاستسلام والاعتماد السلبي على الآخرين ، وتقوم بعض الأسر باتّباع أساليب غير مناسبة ؛ حيث يعتقدون أنها فعالة مع الأبناء ؛مثل المقارنة بين الاخوة بعضهم البعض ،أو بينهم وبين أبناء الأصدقاء والأقارب في تصرفاتهم وتفوقهم وفي قدراتهم وتميزهم ، ويستخدم بعض الآباء الإشعار بالذنب ويسعى إلى تخويف الابن أو لومه حتى يجلد ذاته ،بينما يقوم آخرون بالتذبذب في المعاملة فيكونوا بعدة آراء خلال اليوم الواحد .
وقد يظهر الوالدين خلافاتهم باستمرار أمام أبنائهم وهذا مما لا شك فيه يؤثر سلبًا في الأبناء ، يدفعون من خلاله فاتورة أخطاء الوالدين ويصبحون شخصيات هشة نفسيًا ، وقابلة لاكتساب سلوكيات غير مناسبة ، وبعض الأسر تمارس الضغط على الأبناء في مستوى الطموح في الجوانب العلمية التي يفرضونها عليهم دون مراعاة لقدراتهم وميولهم واتجاهاتهم ، والواقع أن الوالدين يعملون على توجيه وإرشاد الأبناء والتخطيط للمستقبل بما يناسب قدراتهم .
وينتج عن المغالاة في طلب الحصول على قدرات أعلى ؛ مشكلات نفسية مثل : الصراع النفسي والإحساس بالإثم واتهام وامتهان الذات..
إن التربية السليمة لتنشئة أبناء مستقلِّين يتمتعون بالصحة النفسية تستند على مجموعة متنوعة من الأساليب التربوية الإيجابية وهي :
تهيئة المناخ الأسري الذي يساعد على النمو النفسي السّوي ويتّسم بالقدوة الصالحة والتربية بالحبّ واحترام شخصياتهم وتقدير ذواتهم وإشباع الحاجات الفسيولوجية والحاجة إلى الانتماء والأمن والحبّ والاهتمام والقبول.
تنمية القدرات عن طريق اللعب والممارسة الموجهة لتعليمهم على التفاعل الاجتماعي واحترام حقوق الآخرين وتكوين العادات السليمة الخاصة بالتغذية والكلام والنوم وتنمية الاتجاهات الإيجابية تجاه الوالدين والأخوة والأقارب وأفراد المجتمع والولاء للدين ثم الملك والوطن.
الدكتورة حمدية بنت بطي العنزي
مشرفة الرعاية الطلابية بإدارة التوجيه والإرشاد بتعليم الحدود الشمالية