صوتُ الأرضِ يكادُ ينطقُ من قَرعِ نعلِها العالي، هو الوحيدُ الذي اقتربَ من صوتِ وقعِ قدميْها ليتبيَّنَ الحقيقةَ، قالَ لنفسه : لابُدَّ من سرٍّ يقفُ خلفَ هذا العُنفوان؛ بينما الواقفون مندهشين من العنفِ الذي يركضُ في كلِّ اتجاه، اقتربَ أكثرَ دون أن يكترثَ بالتهديد ، قال لها مهلًا! صوتُ الحذاءِ على الأرضِ يضايقُ الحاضرين من حولك، نظراتُ الإشفاقِ كادتْ أن تَخرجَ من الأعينِ التي تحاصرهما، خافوا عليه من ردَّةِ الفعل، أو من ضَربةٍ بمؤخرةِ الكعبِ العالي، هنا المفاجأة! جلستْ على أقربِ مقعدٍ وبقي واقفًا، بدأت تحكي قصَّتَها مع المشيِ الذي يُلفتُ الأنظارَ وهي تغالبُ دموعَها، هتفَ لمن معه بعد أن استأذنَها كي يحضروا ، نادتْ على عاملٍ يعملُ معها، ناولها حقيبةً بها أوراق ، أخرجتْ صكَّ حرِّيتِها ثم أعادتْه إلى الحقيبة، سحبتْ أوراقًا أخرى فيها عقدُ زواجِها وفسخُ نكاحها، أعادتْها بسرعةٍ وأخرجتْ أوراقَ توظيفها ، لوَّحتْ بإثباتِ حضانةِ صغيرها ، أحكمتْْ إغلاقَ الحقيبةِ وناولتِ العاملَ البسيط ، نهضتْ بسرعةٍ وانطلقتْ تواصلُ عملَها وتضربُ الأرضَ كعادتها ، لحقَ بها واستحلَفها بأن تمشي بهدوءٍ كي لاتُطالَبَ بالجلوسِ من جديدٍ لتروي قصَّتَها مع الألم ، التفتتْ إليه وهو يُكرِّرُ جرأتَه معها، قال لها: هل كان وقْعُ قدميكِ قبلَ حصولكِ على هذه الأوراقِ مثلَ الآن؟ انهارتْ وكادتْ أن تسقطَ على الأرض، يبدو أنه أمسكَها باليدِ التي توجعُها، تمتمتْ بكلماتِ الأسى، قالت له ليتكَ حضرتَ قبلَ اليوم ، نصحَها بأن تشتريَ كعبًا منخفضًا حتى لاتُحدثَ صوتًا أو تُخيفَ به أحدًا، مسحتْ دمعتَها وهي تنظرُ أسفلَ منها نحو كعبِها العالي، اكتشفتْ حقيقةَ الغرورِ الذي كانت تحياه ، جاءتْ في اليوم التالي تمشي بهدوءٍ دونَ صوتِها المدوِّي، كاد المكانُ أن يقولَ لها حسنًا فعلتِ، لم تجدْ في الممرَّاتِ مَنْ يسألُها عن حذاءِها الجديد!!
المشاهدات : 31021
التعليقات: 0