بسم الله الرحمن الرحيم
وأعني بالابناء الاولاد والبنات والأبوين الأب والأم فأين هؤلاء من أولئك في زماننا هذا الذي أختلفت فيه الحياة أو بالأحرى أختلف الناس إختلافاً كبيراً وأختلت فيه الموازين الحياتية التي كانت سائدة لإزمنة طويلة وتبدلت فيه الاحاسيس وتبلد فيه الشعور وتغير فيه ترتيب الأولويات والقناعات عند أغلب الناس وكثرت فيه الملهيات والمغريات وتباعد أفراد الأسرة نتيجة الاعمال وطلب الرزق او الهواية تباعداً معنوياً وحسياً والتباعد الحسي هذا من المفترض أن يكون أقل مما كان عليه قبل نصف قرن من هذا الوقت بسبب وسائل المواصلات الحديثة وحداثة وتطور السبل التي تطورت تطوراً طردياً مع تطور المواصلات وسبب آخر لايقل أهمية عن سابقه الا أنه يعتبر أقل أهمية وتأثيراً الاوهو وسائل التواصل الإجتماعي التي أخلت في الحقيقة بالكثير من المفاهيم حول ماهية التواصل وخصوصاً التواصل الواجب شرعاً وعرفاً كالتواصل مع الوالدين وذوي الارحام وما شابهها والتي أرى أنها لاتجزي عن التواصل الحسي والتقارب الجسدي الا أنها تخفف من وتيرة البطء في اللقاء والتواصل المطلوب والمؤثر فعلاً على العلاقة .
هذا من جانب ومن جانب آخر يتبادر إلى الاذهان هل التواصل والاتصال كافياً للبر بالوالدين وصلة الأرحام أم هناك إلتزامات وواجبات ومطلوبات ومندوبات أخرى ؟
والجواب نعم هناك ماهو مهم وماهو أهم خصوصاً مع الأبوين ومنها التأدب وحسن الخلق وطيب التعامل وخفظ الصوت والبذل كالاعطية والهدية حتى وان كانا من غير ذوي الحاجة أو متعففين لأن في هذا محاولة لتطييب النفس عما يعتريها من تراكم السلبيات في الوصل المتباعد وفي الحاد من الكلام الذي يبدر أحيانآ بقصد اوبغير قصد لأن في نسيانه صعوبة كبيرة لدى الأبوين الذين أفنيا عمريهما وما يملكون من جهد وصحة ومال على الابناء حتى بلغوا اشدهم واستووا فياليت شعري أن يعود الابناء والبنات الذين انجبوا ذرية الي الوراء قليلاً ليقارنوا شعورهم الابوي مع شعور ابويهم عندما كانوا في كنفهم ليرقّ القلب وتدمع العين ويلين الجانب ولو شيئاً قليلاً وليس ذلك فقط بل الحصيف والنبية وحسن السريرة وصاحب النظرة الثاقبة البعيدة والفكر السويّ يختلج في قلبه كيف سيعامله ابناؤه عندما يكونوا في وضع ٍ يشابه وضعه يستقلون بحالهم ويوهبون إناثاً وذكوراً فمن كان كذلك فحري به أن يعود ليحاول تعويض مافات في حق والديه قبل أن ينقطع حبل الرجاء في عمل اي شيء كان يجب عمله في حياة الفناء قبل الرحيل لحياة البقاء مما سيعود عليه بسعادة غامرة بالدنيا وسعادة عامرة بالاخرة ويجزى بالمثل من أبنائه .
ديننا الاسلامي الحنيف أتبع عبادة الله تعالى بالإحسان الي الوالدين وأوجب برهما واحترامهما وخفظ الجناح لهما تذللاً وإكراماً لهما وحفظاً لمقامهما وترغيباً بطاعتهما في غير معصية ألله تعالى وتنويهاً بفضلهما وتنزيهاً لهما من أن يتطاول عليهما حتى ولو بحرف أف لئلا يجرح مشاعرهما ولاينهرهمافي غضب أو غيره ولا يتعالى عليهما بصوت أو نظر ولا يجادلهما في اي موضوع حتى ولوكان محقاً ولايفرض رايه عليهما ولايقطع حديثهما ، وإن كان الولد أو البنت هو القيّم على البيت بوجود الوالدين يجب أن ينسب الفضل لهما في قوامته وانهما هما القيمان وان قوامته ليست الا بالوكالة عنهما وسعياً منه لإراحتهما بعد عناءالشباب والكهولة ويوحي لهما بأنه قد حان لهما أن يستريحا ويكونا ملكين متوجين في بيتهما والا يتسبب لهما بما يجعلهما يستصغرا نفسيهما بقول اوفعل وذاك هو الموفق لاجدال في ذلك
وهل يوجد أعظم من بركة بر الوالدين فقد كان من بركة برهماماحدث لثلاثة من بني إسرائيل آووا إلى غار للراحة فانطبقت صخرة كبيرة أغلقت الغار عليهم حتى لايستطيعون الخروج فأتفقوا أن يدعوا الله تعالى بأرجى اعمالهم أن يفرج عنهم ماهم فيه من مصيبة حتى قال أحدهم اللهم أنه كان لي أبوان شيخان كبيران وصبية صغار وكنت لا أغبق قبل ابوي أحداً وفي يوم نأء بي طلب الشجر حتى إذا رجعت كان ابواي قد ناما فكرهت أن أيقضهما وكرهت أن أغبق الصبية الذين يتضاغون من الجوع قبلهما حتى طلع الفجر وقاما وشربا غبوقهما اللهم إن كنت فعلت هذا إبتغاء وجهك الكريم فافرج عنا فانفرجت الصخرة وخرجوا يمشون أليس في هذا درس بليغ جداً في معترك بر الوالدين والاحسان إليهما لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .
وفي مشهد تمثيلي معبر رأيته قبل أيام عبر احدى وسائل التواصل الاجتماعي لشابين في مركبة فأختلق أحدهما مكالمة وكأنه يكلم والده ويتأفف من طلب أبيه ويرفض طلبه ويتحجج بالتعب فغضب صاحبه وحنق حنقاً شديداً وأخذ يتمعر وجهه من الغضب ويؤنب صاحبه وقال لماذا لاتطيع والدك وهم بمفارقته
وقال أناأتمنى والدي يعود حياًولوساعة واحدة لأحقق له مايطلبه مني .
قال الله تعالى (وقضى ربك الا تعبدوا الا إياه وبالوالدين إحساناً إمايبلغن عندك الكبر أحدهما اوكلاهما فلاتقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماًواخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربِّ أرحمهما كما ربياني صغيراً)الاية
وقال النبي صلى الله عليه وسلم (رضا الله في رضا الوالدين وسخطه في سخطهما)
وقال صلى الله عليه وسلم (رغم أنف رغم أنف رغم أنف قيل من يارسول الله قال من أدرك والديه أحدهما اوكليهما ولم يدخل الجنة) اوكما قال صلى الله عليه وسلم .
وفي هذا الزمان المدوخ المدوش الموحش الموجع أصبح الابناء على درجات متفاوتة في الوصل والبر ألخصها من وجهة نظري ومما أرى واسمع فيما يلي :
١-بارّ بأسمى صور البر ومعانيه وهذا نادر جداً إن لم يكن قد انعدم بالكلية الا من رحم الله
٢- بارّ بالكلام الطيب والابتسامة والتقبيل وقضاءبعض الاحتياجات دون بعضها والطاعة في أمور والاعتذار عن أخرى بأعذارلا تجدي ولاتتناسب مع بر الوالدين .
٣- محايد بالبرّ لاخير ولاشر يكتفي بالزيارة من حين لأخر مع الصمت وماندر من الكلام وربما أكتفي بالاتصال وعند الزيارة تكون زيارته وسلامه كزيارة وسلام قريب اوصاحب
٣-جدلي مناكف صوته أعلى وكلامه أصدق ينتصر لنفسه يماري وكأنه يتحدث مع أنداد
ال أف متوفرة والجناح مرفوع والأنف مزموم وكأنه ابن جلا وطلاع الثنايا .
٤-عاق لعّان طعّان عاصي متكبر متجبر لايرى والديه الا كحطام مادة كانت صالحة في يوم من الايام ترعاه حتى تورمت أشداقه وعظمت أكتافه وأصبح في نظر نفسه لايرى الا نفسه فلا الوالدين والدين ولا الأخوة أخوة ولا الاقارب أقارب .
أصلح الله تعالى أبناء المسلمين وارشدهم إلى الحق والصواب في شتى مناحي حياتهم في دينهم ودنياهم وغفر الله تعالى لنا ولوالدينا ووالديهم وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات .
والحمدلله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
كتبه/بقيش سليمان الشعباني
الخرج ١٤٤٤/٤/١٦ هجرية
مقال أكثر من رائع أديبنا الشيخ بقيش ..🌿