عندما شاهدت لوحة ‘الصدقة ‘ وهي للفنان التشكيلي المبدع والمتميز الاستاذ قالب الدلح وفيها يعبر بالالوان عن الصدقة وكيف كان الناس قديمًا يتصدقون بذبح الخراف والماعز ويتصدقون باللحم خصوصًا يوم الجمعة وكيف كانوا يوزعون اللحم أنصادًا ويضعونه في ‘المجولة’والمصنوعة من الطفي ومن سعف النخيل وهي تشبه سفرة الطعام الآن .
عندها تذكرت والدي ووالدتي رحمهما الله تعالى وهما منذ أن وعينا على الدنيا أنا واخوتي كنا نشاهدهما وهما يتعبان ويشقيان في سبيل تأمين لقمة العيش لنا خصوصًا في ذلك الوقت حيث كان الوضع الاقتصادي مربك جدا وكان الاعتماد على تربية الماشية والزراعة وكان رحمه الله يحب أن يتصدق كثيرا بكل شيء حتى أنه كان يبرح على البئر بواسطة الرشا والدلو ويستخرج الماء ويملأ الجرار ويملأالاحواض لشرب البهائم والحيوانات وكان لاينصرف حتى يملأ جرار المحتاجين من الناس والاولاد والعجزة وهذه الصفة اخبرونا جيرانه واهل القرية بهذه الصفة الجميلة يوم وفاته و قالوا والله لاينصرف من البئر حتى يرووا الجميع رحمه الله تعالى.
وكانت امي رحمها الله تهتم بالضأن وتربي الكباشة للعيد ويبيعون بعضها ليشتروا لنا مانحتاجه وتحلب البقرة وتكج اللبن وتستخرج الزبدة وتضعها في الدبع ونشرب اللبن والحفنة وتتصدق على الجيران بالحقنة وبالسمن لأن الجيران في ذلك الوقت متحابين ولايحسد بعضهم البعض .
ومع هذا كانوا يحبون الصدقة ويحثوننا عليها وكانا يستدلان بحديث أنس رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ”إنّ الصدقَةَ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وتَدْفَعُ مِيتَة السُّوءِ” رواه الترمذي وحسّنه، وقال حديث حسن.
وكانا يسمعونه في الراديو المنتشر. في الراديو في ذلك الوقت.
وكانوايذبحون بعض الخراف شهريا خصوصًا يوم الجمعة ويقسمونها في المجولة أنصادًا على عدد البيوت التي حولنا ويطلبون مني ومن اخوتي توزيع هذه الانصاد على الجيران والاقارب ويعطوننا بعض العصي لنهش بها الحنادي والتي تحوم في السماء حتى لا تهبط وتأخذ قطع اللحم من فوق رؤوسنا،وكانت هذه العادة ملازمة لهما حتى قبل مرضهما الاخير والذي ماتا فيه في عام ٢٠١٤م نسأل الله تعالى ان يرحمهما ويغفرلهما ويسكنها فسيح جناته ويرحم لجميع موتى المسلمين اجمعين.
بقلم إبراهيم النعمي