الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، أما بعد،
لقد من الله عز وجل على مملكتنا بأن جعلها المهد الذي نشأت وانطلقت منها الدعوة الإسلامية لتنير العالم بأسره، وقد كانت هذه البلاد الطاهرة على مر الزمان ميدانًا للعلم والعلماء، فكانت بلادنا منذ بداية ظهور الإسلام وانتشاره كالشمس للدنيا، وقد كان للمملكة العربية السعودية دورًا فاعلًا في كل من العالمين العربية والإسلامي والمحافل الدولية في الميادين والمجالات المختلفة.
وإن مكانة المملكة هذه لم تتحقق إلا بجهود قادتها من الملوك والأمراء ومن أبنائها الشجعان الذين قاموا بتأسيس وبناء المملكة لتصبح كما نراها اليوم من عز وإباء ومجد متجدد صنعه الأجداد والآباء ويحفظه ويذود عنه الأبناء والأحفاد.
ويأتي احتفال المملكة بيوم التأسيس بتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، حيث يوافق هذا اليوم ذكرى تأسيس الدولة السعودية الأولى بتولي الإمام محمد بن سعود الحكم في الدرعية في منتصف عام 1139ه، وما حققه من إنجازات مهمة أثرت في مكانة المملكة وقوتها في ذلك الوقت وامتدت هذه الآثار إلى يومنا الحالي، ومن هنا فإن الاحتفال بيوم التأسيس في هذا الوقت إنما يمثل اعتزازًا بجذور المملكة الراسخة والضاربة في أعماق التاريخ، وتخليد ذكرى مؤسسي المملكة وقادتها الأوائل في عقول وقلوب أبناء المملكة وخاصةً بحفاظ هؤلاء القادة والملوك على الهوية الإسلامية وتمسكهم بالعقيدة الصحيحة والقرآن الكريم والسنة كأصول للحكم في المملكة.
ويؤكد الاحتفال بذكرى التأسيس على الإنجازات المهمة التي حققها قادة المملكة منذ بداية الدولة السعودية الأولى والتي شهدت على العديد من الإنجازات الاقتصادية والإدارية، فقد شهدت المملكة في هذا العصر تنظيمًا للموارد الاقتصادية وتأسيسًا للنظام المالي الذي وصف بأنه نظامًا مميزًا، وقد استمرت الإنجازات تتوالى إلى يومنا هذا بفضل الله عز وجل وجهود ملوكنا وأمرائنا والمخلصين من أبناء شعبنا الكريم.
ويمثل احتفال المملكة بيوم التأسيس في هذا الوقت احتفاءً بالذكرى التي انطلقت فيها مملكتنا إلى العالم وما مرت به من مراحل تطورت خلالها لتصبح على ما هي عليه اليوم حيث أصبحت من كبرى الدول التي تحظى بمكانةٍ سامية على المستوى العالمي.
كما أن الاحتفال بهذه المناسبة يعتبر احتفالًا بأول دولة مكتملة الأركان يتم تأسيسها في الجزيرة العربية منذ انتهاء الخلافة الراشدة، حيث افتقدت الجزيرة العربية لمفهوم الدولة بعد تأسيس الدول والمملكة الإسلامية في أقطار مختلفة من العالم الإسلامي، إلى أن هيء الله عز وجل لهذه البلاد من عباده الصالحين الذين بذلوا الغالي والنفيس ليعيدوا لها أهميتها التاريخية ومكانتها بين دول العالم، وقد تأسست الدولة السعودية على المبادئ التي أسس عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم دولته في الجزيرة العربية، وقد كان التأسيس إعادةً لمظلة الدولة بمفهومها الحقيقي في الكثير من مناطق الجزيرة العربية، فانضوت القبائل تحت رايته، ودخلت القرى والبلدات تباعاً في حكمه، ما جعله أول حاكم عربي مسلم يعيد إلى الأذهان مفهوم الدولة في الجزيرة العربية، وإن أهمية يوم التأسيس لا تكمن فقط في كونه يوم تأسيس الدولة القوية العادلة التي ينعم السعوديون اليوم بمخرجاتها، وإنما لأنه أيضاً أعاد لمحضن الإسلام الأول أهميته التاريخية على خريطة العالم.
وها نحن اليوم ننظر إلى المملكة وقد أنعم الله عليها بالأمن والرخاء، وقد هيء لها من القادة المخلصين الذين عملوا على إعداد المخططات وبذل الجهود لإعلاء مكانة المملكة وتحقيق الأمن والسلام لأهلها ولزوارها والمساهمة في نشر القيم الإسلامية وقيم العدالة في مختلف أنحاء العالم، فقد كان دأب قادة المملكة أن يجذبوا الرجال المناسبين إلى المناصب المهمة والفاعلة، فسارت المملكة في مضمار الأمم المتقدمة حتى أصبحت في مقدمة هذه الدول.
وإن الاحتفال بمثل هذا اليوم لا يكون على سبيل الترفيه وحسب، وإنما لا بد أن ندرك حجم المسؤولية الملقاة على عاتقنا والتي تتمثل في الحفاظ على الإرث العظيم الذي تركه لنا أجدادنا وآباءنا، هذا الإرث الذي يجب علينا الاعتناء به وتنميته من أجل أن يصل في أبها صوره لأبنائنا وأحفادنا، ولا بد أن نقدم كل ما في وسعنا للحفاظ على مكانة المملكة بين دول العالم من خلال المشاركة والإنجاز في مختلف ميادين العلم والعمل، وهو ليس بالأمر الغريب على أبناء المملكة، فقد أنجبت المملكة الكثير من العلماء في مختلف ميادين العلوم والمعرفة.
ولا يخفى على أحد أن قيادة المملكة الحالية لا تدخر جهدًا لحماية مكانة المملكة بكل السبل والوسائل المتاحة، فقد أدركت قيادة المملكة أنه لا بد من الاستمرار في مسيرة التنمية للحفاظ على الدولة السعودية في مكانتها السامية ولتحسين البيئة التي يحيا فيها المواطن السعودي لتساعده على الاستمرار في تحقيق النجاح في حياته بمراحلها المختلفة، وقد انتج هذا الاهتمام رؤية المملكة 2030 الطموحة التي تسعى إلى الارتقاء بمكانة المملكة في مختلف الميادين على المستويات الإقليمية والعالمية.
إن مكانة المملكة وموقعها الفريد والمميز سيمكنها من القيام بدور قيادي في قلب الدول العربية والإسلامية، وفي الوقت نفسه، فإن المملكة تسعى إلى استخدام قوتها الاستثمارية بصورة فاعلية من أجل بناء اقتصاد متنوع ومستدام، كما أن المملكة ستستغل موقعها الاستراتيجي الذي يربط القارات الثلاث: أفريقيا وآسيا وأوروبا من أجل المحافظة على مكانتها كدولة إسلامية رائدة، وقد اعتمدت رؤية المملكة على ثلاثة محاور وهي المجتمع الحيوي والاقتصاد المزدهر والوطن الطموح، والتي تتكامل فيما بينها لتسهم في تحقيق أهداف المملكة في مختلف المجالات والميادين.
وتواصل رؤية السعودية 2030 العمل في مسيرة أكبر تحوّل وطني تشهده المملكة العربية السعودية، معتمدة على المواطنين في بناء مستقبل بلادهم، ليحقق اقتصاد المملكة نموًّا متسارعًا ومستدامًا، وقد اعتمدت الرؤية أحد عشر برنامجًا تنفيذيًا لتحقيق أهدافها، وتطبيقها مع الوزارات والجهات الحكومية بمشاركة القطاع الخاص، محققة إنجازات كبيرة في محاورها الثلاثة.
وقد حققت مشاريع الرؤية الكثير من الإنجازات منذ بداية انطلاقها وقد شملت هذه الإنجازات محور المجتمع الحيوي من حيث رفع جودة الحياة والخدمات المقدمة للمواطنين، إضافةً إلى العديد من الإنجازات في مجالات الاقتصاد والطاقة والثقافة، فقد تم تنفيذ الكثير من المبادرات في هذه المجالات بما يزيد من مستوى الرفاهية في المجتمع السعودي، كما حققت المملكة في ضوء تطبيق الرؤية بمشاريعها المختلفة العديد من الإنجازات في المجالات السياسية ومنها تحقيق التوافق بين سياسات المملكة وسياسات الدول الكبرى إضافةً إلى تحسين مستوى سياسات العلاقات الدولية بما يدعم المملكة ويحقق مصالحها على جميع المستويات.
ومن الواضح أن المملكة قد نجحت في حقيق نجاح عالمي منقطع النظير قائم على خطط واضحة للوصول بالمملكة إلى مصاف الدول المتقدمة على مستوى العالم، وقد مثلت القرارات والسياسات التي تم اتخاذها بفضل رؤية 2030 بمثابة نقطة تحول على الأصعدة كافة وسرّعت من عجلة التنمية المستدامة في المملكة، وعلى الرغم من وجود تحديات وعقبات عالمية إلى أن مشاريع الرؤية ماضية في تحقيق الإنجازات والمكاسب في مختلف المجالات.
وختامًا، فإننا نسأل الله عز وجل أن يديم علينا نعمه وأن يحفظ وطننا آمنًا وأن يوفق ولاة أمورنا لما فيه الخير لنا وللأمتين العربية والإسلامية، والله الموفق والمستعان.