حين وُلد مفهوم التشجير الحضري، اقترن آنذاك بمسؤولية الفرد والمجتمع، ليكون الواحة المبتغاة في رحلة التوسع العقاري والعمراني، ويُعرّف المتخصصون في التشجير الحضري بأنه العمل على إنشاء بنيةٍ تحتيةٍ خضراءَ ضمن الفراغ العام في المدن والمناطق السكنية، وذلك لتقوية التواجد الأخضر بالمدينة من خلال التشجير، كونه إحدى الأدوات الهامة والحديثة المرتبطة بالتطور العمراني، نظراً لازدياد أعداد السكان في المدن وتوسعها بشكل لافت خلال السنوات الماضية، وبالتالي حتمية إنشاء بيئةٍ ملائمة صحياً وبيئياً واجتماعياً للسكان على اختلاف المستويات بدءاً من أصغر بيت وانتهاءً بالمدينة كاملةً.
ولأن الأشجار أو الغطاء الأخضر أحد أهم العناصر الطبيعية في الكون، فإن الإنسان حديثاً وقديماً يشعر بالارتياح عند قربه منها، كون الوجود البشري جزءاً من أصيل منظومة الحياة في الطبيعة تستديم بتفاعله معها وبتأثيره سواءً كان ذلك سلباً أم إيجاباً، والعالم اليوم بات يأخذ هذا بعين الاعْتِبارِ نظراً لأن المدن وجهٌ للتطور الحضري يعكس مدى الاهتمام بالإنسان والبيئة، ولكون ضرورات التخطيط الحضري في السابق كانت ترتكز بشكل أكبر على ضمان سهولة حركة السيارات دون اعتبار يذكر للمشاة أو الدراجات الهوائية أو تخصيص المساحات الخضراء حتى للتواصل الاجتماعي الذي يعد حاجة إنسانية لسكّان المدن، ولأن للتسارع التنموي وما ينتج عنه من نمو سكاني سريع وتوسع عمراني كبير أثرٌ ترتبت عليه الانشغالات بقضايا التخطيط الحضري المُلحّة الأخرى، بعيدا جداً عن الاهتمام بالمساحات الخضراء، أو حتى انتقاء الأشجار المناسبة للبيئات الجافة خصوصاً أو قضايا الاستدامة عموماً، والتي باتت اليوم ضمن أهم قضايا العالم البيئية والسكانية على هذا الكوكب.
لذلك جاء البرنامج الحضري التنموي “الرياض الخضراء” محققاً لأحلام الكثير بالعيش في بيئة خضراء وفي أحد أكبر عواصم العالم العربي “الرياض”، والتي يقطنها أكثر من 20٪ من سكان المملكة الإجمالي، والذي يُعدّ أحد أكثر مشاريع التشجير الحضري طموحاً في العالم، وأحد المشاريع النوعية الأربعة الكبرى التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -أيّده الله- بمبادرة من ولي العهد رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله-، في 12 رجب 1440هـ ،ويهدف إلى رفع تصنيف مدينة الرياض بين نظيراتها من مدن العالم، لتكون ضمن أفضل المدن معيشةً في العالم مستهدفاً في هذه الرحلة الحضرية تشجير 120 حيًا سكنيًا، إلى جانب تشجير كل من الطرق الرئيسية والميادين العامة وتنفيذ الحدائق الكبرى وغيرها من المرافق والمساحات الخضراء بحلول عام 2030.
وكان برنامج “الرياض الخضراء” قد بدأ عملياً في تشجير عدد من الأحياء كالعزيزية والنسيم والجزيرة والعريجاء وقرطبة والغدير والنخيل، وإقامة المعارض المؤقتة في كل حيّ من الأحياء، وذلك لإطلاع السكان على مستقبل حيّهم ورفع الوعي المجتمعي العام، كما أنها قد أنهت عملياً المرحلة الأولى من تشجير غالبية الطرق الرئيسية بالعاصمة ومداخل المدينة،كما شملت مشروعات تشجير الأحياء العمل على اعتماد التصاميم المختلفة لكل حيّ، وكذلك انتقاء نوعية الأشجار الملائمة لكل حيّ على حدة، متبعةً في ذلك العديد من المعايير العالمية، والتي كان من ضمنها ابتداءً اختيار الشركات المنفذة ذات الخبرات الأفضل في هذا المجال، لتستمر أعمال التشجير الحضري المقررة حتى عام 2030 محققة بذلك المستهدف النهائي بزراعة 7.5 مليون شجرة في مدينة الرياض.
أما على صعيد تحدي وفرة المياه والأشجار فقد استعان “الرياض الخضراء” بخطة مستدامة وشراكات مع كبرى الشركات المتخصصة عالمياً في هذا المجال الحيوي والمهم لتنفيذ أكبر شبكة ريّ للمسطحات الخضراء باستخدام المياه المجددة في العالم، حيث سيتم رفع نسبة استخدام المياه المجددة لأغراض الريّ من 90,000م3 إلى 1,700,000 متر مكعب يومياً، وفي الجانب الموازي وعلى مسار المشاتل المنتجة للأشجار فقد عمل على تطوير مشتل حي السفارات في عام 2021، حيث ارتفع معدل الإنتاج السنوي من 250 ألف شجرة إلى 1.5 مليون شجرة سنوياً، كما ركز البرنامج على الجهود التثقيفية والتوعوية بأهمية التشجير الحضري من خلال جهود متنوعة وفعاليات توعوية مباشرة وغير مباشرة.
برنامج “الرياض الخضراء” بات يمثل بارقة الأمل الكبرى لدى سكان العاصمة السعودية، حيث استحدث برنامج التشجير الحضري الذي يغطي معظم عناصر ومكونات المدينة بما يشمل 3,331 حديقة حيّ، و43 حديقة كبرى، و4,500 مسجداً، و5,939منشأة تعليمية، و64 جامعة وكلية، و387 منشأة صحية، و1621 مبنى حكومي، كما يغطي برنامج التشجير 4,440 كيلومتر من الشوارع والطرق، و2000 موقع لمواقف السيارات، و1001كيلومتر طولي من «الأحزمة الخضراء» ضمن خطوط المرافق العامة – أبراج نقل الكهرباء ومسارات أنابيب البترول-، و 4,515 قطعة أرض فضاء، و231 كيلومتر من الأودية وروافدها.
وتمثل أهداف مشروعات التشجير في برنامج “الرياض الخضراء” الطموح الوطني على صعيد تحسين جودة الحياة، من خلال رفع نصيب الفرد من المساحة الخضراء في المدينة من 1.7 متر مربع حالي، إلى 28 متراً مربعاً، بما يعادل 16 ضعفاً عمّا هي عليه الآن، وزيادة نسبة المساحات الخضراء الإجمالية في المدينة من 1.5% حالياً إلى 9.1 % بما يعادل 541 كيلومتراً مربعاً، وذلك بزراعة 7.5 مليون شجرة داخل النطاق العمراني لمدينة الرياض، مما يعني أن نصيب الفرد في العاصمة الرياض سيتجاوز النصيب المخصص لنظيره العالمي من الغطاء الأخضر بواقع ثلاثة أضعاف بحلول عام 2030، حيث يبلغ المعدل العالمي تسعة أمتار مربعة للفرد فقط بحسب الموقع الرسمي للأمم المتحدة على شبكة الإنترنت مقابل 28 متر مربع لسكّان العاصمة السعودية الرياض.