تعاطفنا كثيرًا مع قصص الوفاء التي نقرأها عن الكلاب فأصبحنا نرى بأنها الأقرب للإنسان، حتى أصبحت متلازمة الوفاء؛ طوقًا يكبلنا عن أي تصرف منا ننعت به من يكون أخرقًا أو أحمقًا، جاحدًا كان أو حاقدًا، فصرنا نستغفر ونتوب إلى الله إن وصفناه بالكلب.
حاولت التخلص من هذه العقدة فبحثت بحث المتعجل لا تأني فيه عن أنواع الكلاب ونباحها، فوجدت منها الكلب العقور (المستغلث، المغلوث)، وهو يحمل العديد من الصفات النفسية الداخلية تحمله على الشّر والإيذاء وعُرف عنه بأنه يخشى النور، ويميل إلى الاختباء، ويشتهر بالنباح وهو دليل الضعف والخوف، فليس له حيلة للّقاء المباشر ويستخدم نباحه لإزعاجك، وقد وصف الجاحظ بأن هذا (النّبّاح) جبان؛ ودليل جبنه كثرة نباحه على كل شيء يفزعه، ويقول أهل البادية “الكلب اللي ينبح ما يعض”.
ومع تكالب الكلاب ونباحها، يلزمنا أن نتخذ عدة مواقف حاسمة وحازمة، فإما أن نسكت عنها ونسير في طريقنا دون اتخاذ رادع لها فـ (القافلة تسير ……)، أو أن نتوقف ونعطل مسيرتنا وطموحنا
إذا الكلب لا يؤذيك إلا نباحه ** فدعه إلى يوم القيامة ينبح
ويذهب المؤيدون بالسكوت وعدم الاكتراث بها؛ بأن وقوفك للرّد على هذه الكلاب لن يسكتها وستظل تنبح “فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث…”، وأنت من ستتأخر في تقدمك وعلوّك، فالتحذير من مجادلة الأحمق، وأن النزول إلى مستواه سيعطيه ثقلاً وقيمة؛ فما بالك بجدالك لهذا الكلب العقور
ولو أن كلّ كلب عوى ألقمته حجرًا ** لأصبح الصخر مثقالاً بدينار
هذا الأمر تنتهجه الأم العظيمة؛ حكومتنا الحكيمة، فهي لم ترمِ نابحًا؛ كان حاقدًا أو حاسدًا ولا حتى إن كان مسعورًا ومأجورًا، لأنها بعظمتها وقوتها لم تحسب لهم وزنًا ولم تضع لهم قيمة، فالجاحد سفيه؛ السّكوت عنه يميته ويغيظه
فإن كلمته فرجت عنه ** وإن خليته كمدًا يموت
هذه الكلاب الضالة منزوعة الوفاء، خالية الحياء، تحبّ الشر للبشر، في أدمغتها لوثة وحقد ووقاحة، تنفث سمومها وتزيد نباحها على أهلها، خادمة لغيرها، فهم ككلاب القوم الذين وصى الأعرابي ابنه بقوله :”يا بني، إن لكل قوم كلبًا فلا تكن كلب قومك”.