بسم الله الرحمن الرحيم
للحياة الدنيا منذ أنزل آدم عليه السلام الى الارض وجهان تتأرجح بينهما ، وجه جميل مضيء ووجه مكفهر مظلم ، ففي الحياةاهوال واحداث ومتغيرات وعقبات ونكبات وتحديات ومشكلات وعثرات وتجني وظلم وهم وكرب وهلع وحزن وفزع وطمع وجشع وعقوق وقطيعة وكذب وغش وخداع .
وفيها أمان وإيمان وسلام وخيرات ومسرات وسعادة وفرح ومرح وهدوء وفرج ومخرج وسكون وتوفيق وسداد وحكمة وحلم وطيبة وإحسان وبر وصلة وصدق وصدقة وجبر خواطر ومساعدة محتاج وإقالة عثرة .
ولايكاد أي من وجهي هذه الحياةالمضيء والمظلم الا يمس أحد من البشر بوجه اوبآخر وبدرجات متفاوتة بين الشدة واللين والجزع والرضى والشك واليقين .
كما يتفاوت البشر في معرفتها فمنهم من عرفها حق المعرفة وتعامل معها تعامل الخبير يأخذ منها ويعطيها ويترصد حلاوتها فيجنيها ومرارتها فيتجنبها ويتقيها ويتعامل معها لما بعدها لعلمه بأنها ليست النهاية بل هي مزرعة لما بعدها ويعلم بأن كل يجني ثمار ما كان قد زرع بها فيهتم بالزرع ونتاجه ويحذر الزمن وأعوجاجه يعمل بدنيا غابرة عابرة لأخرة ابدية سرمدية عامرة أخذ من خير دنياه بحظ وافر كأخذ المسافر الفطن الذكي من الزاد مايكفي لرحلته طالت أوقصرت ثم إنه لم يجعلها غاية بل إعتبرها بمثابة رواية كتب فصولها بدرايةمتمتعاً بالبداية ومتمعناً بالنهاية فياله من حصيف بفكره النظيف أكتوى بحر الصيف ونالته تقلبات الخريف وتجاوز قساوة الشتاء الى نسيم الربيع اللطيف فنال من كل هذا خبرة وأزداد بالتقلبات عبرة فهكذا الدنيا عنده صارت أم العجايب لا يأمن لها جانب ويحذر منها المصائب ويعلم انه لابد عنها غائب
فأتخذها مطية ذلول توصله الي المأمن المأمول .
ومنهم من كان بها جاهل وتعامل معها تعامل الغافل الذي لايدرك ماتخبيه وما منها سوف يجنيه له أوعليه فيأخذ منها ماتعطيه بشراهة بشعة وتحلوّ بنظره حتى ولوحلاوتها في الحقيقة مرارة قذرة ولكن نظرته الدونية خلطت عليه الامور فأصبح مرها حلوا وقبيحها جميلاً وحرامها حلالاً وحلالها حراماً هي حياته ومابعدها لايعنيه لا من قريب ولامن بعيد بعدما أخذت بمجامع تفكيره بهالتها وأناقتها وزخرفها حتى ولو ضرسته بأنيابها وأسالت دمه وداست بوطأتها على كمه وافقدته أبيه وأمه أعتبرها لعوب تمزح وتداوي بعدما تجرح وبمشاكسته تفرح فأطمن للمزاح وصبر على ألم الجراح منتظراً عودةالافراح والليال الملاح مع معشوقته الوفية ذات الطلعة البهية واليد الندية حسب زعمه رغم ما اذاقته من البلية عندما ابدت له وجهها المكفهر المظلم ردحاً من الزمن ولكنه يثق بها ثقة عمياء ويتوهم بعودتها لزخرفها واناقتها وهذا ديدن العاشق الولهان الذي لايرى غدرات معشوقته مهما كانت قساوتها ، فغدراتهاعنده أخطأ تغتفر ولين قساوتها غائب منتظر ولم يعلم بأنه سيكون قتيل الحب الذي لاقصاص فيه ولادية وسيبعث على مامات عليه . فكانت بداية حياته طفولة وشبته جهولة ورجولته مشغولة وشيبته مشلولة ويده الي عنقه مغلولة وعيناه عن الحق مقفولة
فأين هذا من ذاك يارعاكم الله أرجو إمعان النظر وإعمال الفكر في الحالتين هل يستويان مثلاً أم أنهما على طرفي نقيض بين متعثر هالك وناج ٍ سالك وهما بالفعل كذلك .
جعلني الله تعالى ومن يقرأ ممن سلم من فتن الحياة الدنيا ومقالبهاوفي الاخرة من الناجين السابقين ومن أصحاب اليمين والحمدلله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيد المرسلين وإمام المتقين نبينامحمد خيرخلق الله أجمعين .
كتبه/بقيش بن سليمان الشعباني
الحرج ١٤٤٥/٥/٢٥ هه