أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن حميد المسلمين بتقوى الله عز وجل في السر والعلن.
وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم في الحرم المكي الشريف: “إن بعد كل شباب هرماً، ومع كل صحة سقماً، ومع كل حياة في الدنيا موتاً، فخذ من شبابك لهرمك، ومن صحتك لسقمك، ومن حياتك لموتك”، مضيفاً أن التعليم هو مفتاح التقدم، وطريق النهضة، وهو السبيل لاستشراف المستقبل، بالتعليم تبنى العقول، ويكون الإبداع، وبالتعليم تغرس العقيدة الصحيحة، والتوحيد النقي، وبالتعليم الصحيح يفهم المتعلم الإسلام فهماً صحيحاً، متكاملاً، وسطاً، مؤكداً أن التعليم هو الذي يزود بالقيم، والمثل العليا، ويكسب المعارف والمهارات، وينمي الاتجاهات، والسلوك البناء، بالتعليم يكون استقرار المجتمع وتطوره، ويكون به الفرد عضواً نافعاً في أمته، وهو الذي يحدد الهوية، ويشكل الأخلاق، ويضبط الثقافة، ويحقق الاندماج في المجتمع، وهو الذي يحقق أهداف الخطط الدينية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، وغيرها.
وبين فضيلته أن التعليم ينجح حين يؤدي المعلم وظيفته، بل رسالته بإتقان، والتعليم ينجح حين يقتنع المعلم بدوره العظيم، ومسؤوليته الكبرى في بناء الإنسان، ويكون مؤمناً بالثروة البشرية التي تخرج من تحت يده، لافتاً النظر إلى أن المعلم هو ركن نجاح التعليم، وأن المعلم – بإذن الله – هو عماد الأوطان، وكلما رسخت القيمة العالية للمعلم كانت النهضة والحضارة.
وأوضح أن المعلم هو ذو الخبرة الذي يؤخذ منه العلم والتربية، ولما كانت المهن ولا المهارات، ولا الاختصاصات، وهو الذي يمدها بالعناصر البشرية المؤهلة علمياً وأخلاقياً واجتماعياً، كما أنه صانع العقول يخرج من تحت يده العالم، والداعية، والقاضي، والمهندس، والطبيب، والمخترع، والمكتشف، والعسكري، والتاجر، والفلاح، والصانع، وغيرُهم من أرباب الوظائف، والمهن، والحرف، وأصحاب الفكر والقلم، والرأي، مؤكداً أن عظماء التاريخ وكبار العلماء، ورجال السياسة، وصناع القرار، كل هؤلاء مروا من تحت المعلم في نظام تعليمي وتربوي طويل ومتين .
وبين فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن حميد أن موطن القوة في بناء الأوطان هو المعلم، والدول حين تخطط لبناء المصانع لإنتاج المعدات والمراكب، والأدوات والأجهزة، تضع في مقدمة ذلك خطتها لصانع العقول الذي من تحت يده يكون إنتاج هذا كلِّه، واصفاً المعلم المخلص بأنه المعلم الكفء، المتمسك بدينه، المستقيم في سلوكه، المنضبط في تصرفاته، الحازم، القوي، يقدر الظروف، ويتفهم الدوافع، واسع الأفق، يهتم بالثقافة العالية، متمكن من مادته وتخصصه، حليم، واسع الصدر، مرن، صبور، قادر على التكيف، مشيرًا إلى أن المعلم الكفء هو المتميز في تخصصه، الجاد في عمله وأدائه ، القدوة الحسنة في حسن خلقه ، المعتدل الوسط في تعامله .
وأوضح فضيلته أن المعلم طاقة فياضة، يتألق في أدائه ، يقدم العلم في أفضل صورة، يحفز المجتهد ليزداد، ويساعد الضعيف ليرتقي ، يحبب الطلاب في المادة ، ويشوقهم بالأسلوب ، ويجذبهم بالطريقة ، يسمعون منه كلمة الشكر والتقدير ، ويتلقون منه التحفيز والتشجيع ، علاوة على أن المعلم قائد لطلابه ، فعلاقته بهم علاقة مشاركة ، وتعليم ، وتربية ، وتدريب .
وخاطب فضيلته المعلمين قائلاً : “أيها المعلم الكريم بين يديك أثمن ما تملكه الأمة، بين يديك ثروة تتضاءل أمامها كنوز الأرض جميعُها، إنها الثروة البشرية ، أنت حامل رسالة العلم ، ومنشئ الأجيال – بإذن الله – ، ومربي الرجال ، ومعلم الناس الخير ، أنت بإذن الله بحسن تعليمك ، وصدق توجيهك تجعل الناشئة قرة أعين لوالديهم ، وذخيرة لأوطانهم ، وبناة لحضارتهم ، أنت القدوة الصالحة إذا صَلَحْتَ ، واحذر التناقض بين القولِ والعملِ ، والظاهرِ والباطنِ ، فازدواجية التوجيه مَهْلَكة ، أنت تؤثر على طلابك بأقوالك وأفعالك ، ومظهرك ، وفي كل تصرفاتك وأحوالك ، مهمتك هي تعليم العلم ، وتهذيب النفوس ، وتوجيه السلوك، وبناء الحياة الصالحة” .
وواصل مخاطبته للمعلمين قائلاً : “أيها المعلمون أنتم الوارثون والمورثون من علَّم منكم علماً فله أجر من عمل به لا ينقص ذلك من أجر العامل شيئاً ، بهذا جاء الحديث عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ، وأنتم الوارثون وأنتم المورثون : (العلماء ورثة الأنبياء ، والأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً ، وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر) ، أنتم الوارثون وأنتم المورثون : (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقةٍ جارية ، أو علمٍ ينتفع به بعده ، أو ولدٍ صالح يدعو له) ، أنتم لكم حظ وافر من هذا الحديث الشريف بأنواعه الثلاثة ، فالمرشد إلى الصدقة ودليلها هو المعلم ، فأنتم شركاء ، فما يبذل من صدقات وما ينشأ من وصايا وأوقاف أنتم فيه شركاء ، وأنتم فيه وارثون موروثون” .
وأبان فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن حميد أن الولد الصالح هو ثمرة العلم ، والتربية والتزكية ، فما أعظم ما يخلف العالم والمعلم من أجر وما أكبر ما يحدث من أثر .
وأكد بن حميد أن للإعلام دوراً عظيماً في ترسيخ مكانة المعلم ، ونشر هيبته ، وحفظ منزلته ، وبخاصة من خلال الروايات ، والقصص ، والمسلسلات ، وأدوات التواصل ، والحذر كل الحذر من أن تتضمن أيُّ مادة إعلامية الحطَّ من مكانته ، أو التقليلَ من وظيفته ، أو التنقصَ لرسالته ، وأنه بصلاح المعلم تصلح الأجيال ، وباحترام المعلم ترتقي الأمة ، وبضعفه تضعف ، مبيناً أن احترام المعلم ، ومعرفة حقه هو توفيق من الله وهداية ، ومن أهمل ذلك ، أو قصر فيه فهو من دلائل العقوق ، والخذلان ، والخسران .
كما خاطب فضياته الطالب قائلاً: “من علمك حرفاً فأخلص له وداً ، اكتسب من المعلم أخلاقه قبل علمه ، وأدبه قبل درسه ، اجعله قدوة فيما صلح من أمره ، ولا تتبع ما أخطأ فيه من فعله ، واحفظ له من العين ما رأت ، ومن الأذن ما سمعت ، ذب عن عرضه ، واحفظه في غيبته” .
كما وجه فضلة الشيخ الدكتور صالح بن حميد خطابه للآباء والأمهات قائلاً: “قفوا مع المعلم ، وعلموا أولادكم احترامه ، وحفظ مكانته ، لا تسمحوا لهم بالتطاول عليه ، أو الحط من قدره ، علموهم أدب التعليم ، وأدب الحوار ، وأدب السؤال ، حتى يُحَصِّلوا علماً ، ويحملوا أدباً ، حق المعلم أن تُظْهر مناقبه ، وتستر معايبه ، ويُعظَّم قدره ، ومن أهان المعلم يجب أن يلقى ما يردعه” .
وفي المدينة المنورة تحدّث فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور صلاح بن محمد البدير في خطبة الجمعة عن فضل مجالس العلم والذكر وأثرها الطيب على المرء، حيث يُنهل منها العلم النافع، في أمور الدين والدنيا، وتحفّها الملائكة، ويغنم بها الأجر والمثوبة من الله جلّ وعلا.
وبيّن فضيلته أن أنفس النفائس، وأطيب المغارس، وخير المجالس، مجالس الذكر والعلم، التي هي أجلّ المجالس وأزكاها، وأطيبها وأنماها، وأعظمها فائدة، وأجلّها عائدة، فهي درر المقتبِس، وعون الملتبس، وأُنس الملتمس، ودرعُ المحترس، فيها من الفضل ما لا تخفى على العين آثاره.
وتحدّث الشيخ صلاح البدير عن فضل مجالس الذكر ومجالسة العلماء، لكسب العلم الشرعي الذي يعود بالخير على المتعلمين في دنياهم وآخرتهم، مبيناً أن مجالس العلم هي الرياض اليانعة الأنيقة، والحدائق المتهدّلة الوريقة، من واضب عليها حاز أعلى المراتب، وأشرف المناقب، مورداً الحديث الذي رواه أبو هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهّل الله له به طريقاً إلى الجنة”.
وذكر أن سلوك الطريق يتم بالتماس العلم، يشمل المشي إلى مجالس العلم، وحفظه ومدارسته، ومطالعته ومذاكرته، والتفكّر فيه، ومجالسة أهله، لاستجلاب النفع والمعرفة، ودفع الضرر في كل شؤون الحياة، وأمور الدين، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – “لا يقعد قومُ يذكرون الله عزّ وجلّ إلا حفّتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله في من عنده”.
وحذّر الشيخ صلاح البدير من مجالس الغفلة والمجانة والمخازي التي فيها مراتع أهل الفسق والفجور والمعاصي، مستشهداً بالحديث الذي رواه أبو هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال، “ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله تعالى فيه، ولم يصلّوا على نبيهم إلا كان عليهم ترّةً فإن شاء عذّبهم وإن شاء غفر لهم” رواه الترمذي
محليات