لايخلو جسد من حسد لذلك ليس كل حسد فعّال وليس كل حسد مذموم بل هناك حسد مباح يعرف بالغبطة يغبط شخص شخص أخر بما تميز به اوبما أوتي من نعم دون أن يتمنى زوال نعمته وبعبارة دارجه يقال أحّسُدك يافلان على كذا وكذا وربما تعقب عليها بالمباركة(ماشاءالله تبارك الله )
إلا أن غالب الحسد خلق مشين مذموم يولد الضغينة والعداوة وكلاهما حقد نفسي مصطنع يؤثر على النفس الحاسدة الباغية وعلى النفس الأمنة المحسودة فلا الحاسد يسلم من أثر حسده على نفسه وجسده ومايعول ويملك ولا المحسوديأمن مردودالحسد على ذاته ومقدراته إذ لاحيلة له برد الحسد ولامقاومته أعني نظرياً والا ففيه طرق تجنب آفة الحسد وضرره ربما أتطرق لها في مقال آخر قال الله تعالى(قل اعوذ برب الفلق من شر ماخلق ومن شر غاسق اذا وقب ومن شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد اذا حسد) الاية اذاً وحسب منطوق الاية الكريمة كل نفس فيهاحسد ولكن المذموم والمتعوذ منه هو الانسان الذي ينفذ حسده ويفعّله ضد الاخرين متعمداً الضرر لهم والنكاية بهم خسّة وحماقة وسوء طبع وخلق وأنعدام الوازع الديني لديه .
اما النفس التي يستطيع صاحبها كبح جماحها
فيتعقل ويدرأ إيذاء الاخرين تورعاً وغلبة للطيبة والخلق الرفيع محباً لغيره مايحب لنفسه فهذا حسد خامد يستحق عليه الثناء كيف لا وقد سيطر بقوة عزيمة على مكامن الخطر في نفسه فسلم هو من اذى نفسه وسلم غيره من شره وأذاه فأراح وإرتاح .
وكما ذكرت بأن الحسد موجع ومهلك للحاسد نفسه قبل المحسود الذي ربما علم او لم يعلم بالحاسد وحسده وما حسد من أجله
قال الشاعر الحكيم مادحاً الحسد الذي ينقلب ضرره على صاحبه :
لله در الحسد ما أعدله
بدأ بصاحبه فقتله
قائل البيت أعرابي دخل على الخليفة العباسي المعتصم فأعجب به الخليفه فقربه اليه وجعله يدخل عليه بدون إستئذان فلم يعجب الوضع الوزير وحسد الأعرابي واراد ابعاده عن منادمة الخليفه لأنه لايحب ان يدخل على الخليفه أحد بدون إستئذان الا هو فعمل للأعرابي مكيدة بأن طلب منه أن يتناول معه وجبة في بيته فوافق الأعرابي وتناول الوجبة التي وضع فيها الوزير كمية من الثوم وبعد الفراغ من الوجبة نصحه الا يدخل على الخليفة الا متلثماً حتى لايؤذيه برائحة الثوم النتنه ثم ذهب الوزير الي الخليفه ووشى بالأعرابي عنده وقال أن الأعرابي يقول بأن الخليفة أبخر رائحة فمه لاتطاق ثم بعد ذلك دخل الأعرابي على الخليفة متلثماً وحذراً من الاقتراب منه لئلا يشم رائحة الثوم فصدق الخليفة وزيره بما قاله عن الاعرابي فكتب كتاباً لأحد ولاته وكتب فيه اذا فتحت كتابي هذا فاقطع راس حامله فناوله الأعرابي وأمره بإيصاله الي الوالي فأخذ الكتاب فلما رأى الوزير الرساله ظن بأن فيه أمر للوالي بصرف مكافأة لحامل الخطاب كما كان يفعل الخليفة عادة مع ندمائه فطلب الوزير من الأعرابي ان يعطيه الكتاب ليوصله بنفسه فوافق الاعرابي وسلمه الرساله فلما وصل الوزير الي الوالي وسلمه الكتاب وفتحه أمر بقطع راسه فورا امتثالا لامر الخليفة ولما تأخر الوزير وسأل عنه الخليفةأخبره الأعرابي بما حدث فتعجب الخليفة وقال الأعرابي بيت الشعر المشهور والمشار اليه بداية القصة عندما علم بالخطة التي دبرها له الوزير حاسدا إياه القرب من الخليفة ومنادمته له .
وأما العداوة التي تخرج من صلب الحسد وتعتبر أبنة له او ربيبة متبناه فإن كانت ظاهرة معلنة فستكون صراعاً بين قبيلين حاسد ومحسود باغ ومبغي عليه وتنتهي بالغلبة لأحدهما او بالصلح وانتهاء العداوة إن كانت بسبب فبإنتهاء السبب وإن كان غير ذلك فلكل شيء نهاية لا محالة ، وأما ان كانت كيداً مخفياً فهذه يطول أمدها غالباً وتستمر على هيئة كره وبغض وعدم قبول وغضب غير معلن بل مكبوت بالفؤاد يكاد ينفجر في أي لاحظة مثله مثل قنبلة نزع منها فتيل الامان فهي لامحالة منفجرة الا بمعجزة وكذلك الغضب كامن ولكنه يرى من خلال نظرات العينين وتقطيب الجبين وتلون الوجه وشطحات اللسان بالكلمات النابية وزم الشفة وتصعّر الخد ، ولاشك أن كل ذلك من حسد وحقد وبغض وعداوةكلها اخلاق ممقوتة نتائجها سلبية مؤذية لاتحمد عقباها ولايؤمن جانب من تبناها وأتخذها اسلوب حياة يواجه بها خلق الله ليؤذيهم ويؤذي نفسه علم او لم يعلم بظلمه لنفسه وللأخرين قال تعالى (وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون) الاية
وقال النبي صلى الله عليه وسلم(إياكم والظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة) الحديث وأي ظلم أشد وأنكأ من الكذب والتجني والحقد والحسد والكيد والمكر والخداع والشتم والاعتداء على النفس والمال والاهل والعيال
والمكانه والسمعة والنيل منها.
والحقد والحسد يكون شخصي موجه لفرد واحد ويكون أحيانا موجه لفيئة او مجموعة من الناس أو لدولة من الدول كثر أعدؤها وحسادها والحاقدون عليها لا لسبب وإنما حسد محض لما حباها الله تعالى من الخيرات والبركات والعز والتمكين وسأضرب لذلك مثالاً ماثلاً أمام الخلق جميعا بالمملكة العربية السعودية والتي تواجه حقدا وحسدا منقطع النظير حتى من دول احسنت اليهم إيما إحسان او من افراد لحم أكتافهم من خيرها فجحدوا وتنكروا لها ولإحسانها حسدا وحقدا لما حباها الله تعالى من نعم كثيرة وكبيرة وجليلة تتمثل في قيادة عظيمة عادلة حازمة وأمن وارف يضرب به المثل وشعب وفيّ كريم يهيم حبا بقيادته ووطنه ، وبمقدسات تؤم من شتى بقاع الارض للعمرة والحج والزيارة في حالة مستديمةمن الأمن والأمان واليسر والسلامة والصحة والعافية ، ومما لاشك فيه ولايختلف عليه إثنان أن النجاحات تخلق الأزمات لاعداء النجاح والحساد ومن في قلوبهم غل وحقد وحسد وفي صدورهم نار وهمية مستعرة ممايجعل نفوسهم المريضةالمسعورة تستشيط غضبا وتحشرج صدورهم حرقة ويزداد رجفان قلوبهم وخفقانها حدة تكاد معه قلوبهم تخرج من بلاعيمهم وهي مثقلة ومثخنة بالهم والغم اللذين أرتدا عليها وتكاد تهلكهم فتبدأ الألسن تهرف بما لاتعرف وتنطق بكلمة الكذب وتضع معها ألف كلمة وكلمة كلها شر وبلاء وخسة وشقاء نبتت عليها نفوسهم أو إستقتها من أعداء الظل المتربصين المتخفين بلباس النفاق ويظهرون غير الذي يبطنون وهم كثر لاكثرهم.
وهذا بأم عينه ماتتعرض له المملكة العربية السعودية في كل حين وتعرضت له بشكل سافر إثر نجاح حج عام ١٤٤٥هه ذلك النجاح ألذي أثلج صدور المؤمنين والمتقين والصالحين وأغاض الكفرة والمنافقين والملحدين أعداء الحق المبين والصراط المستقيم وأستقوا على أثر ذلك السم الزعاف .
فلله در المملكة العربية السعودية قيادة وحكومة وشعبا والي الامام ومن نجاح الي نجاح وفي جميع المجالات فلا نامت أعين الاعداء ولاغمض لهم جفن .
والحمدلله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
كتبه/بقيش سليمان الشعباني
الخرج ١٤٤٥/١٢/١٨هه
بارك الله فيك
كلام حكيم يابو سليمان