المرء الأديب يختلف اختلافًا جوهريًا عن سائر الناس؛ فهو يجرد نفسه من قيود الماديات، لا بحثًا عن الهروب من الواقع، ولكن لينغمس في أعماق ذاته، ليجد في تفاصيل حياته ما يعجز الآخرون عن رؤيته. يُحاصر الأديب بالفقر أحيانًا، وسوء المعيشة أحيانًا أخرى، ويختبر مشاعر الخذلان والغدر مرارًا، إلا أن ما يميزه هو قدرته الفريدة على التعبير عن تلك المعاناة، الإفصاح عنها بلغة الحروف والكلمات. في المقابل، هناك من يعيش نفس التجربة، يحمل همومًا مشابهة، لكنه لا يسمح لنفسه بالغوص في بحر التساؤلات، أو قد يكون قادرًا على التعبير لكنه لا يبالي، متجنبًا البحث عن عمق تلك المشاعر.
الأديب، رغم عمق رؤيته، يجد صوته يتلاشى وسط أصوات الآخرين، وكأن كلماته تُغرق في زحام الوجود. في المقابل، يرى الآخر صوته هو الحقيقة الوحيدة، ويتحدث به بلا تردد أو تشكيك. بينما يسعى الأديب لإيصال رسالة، يحملها بعمق، لا تحدها أهداف ملموسة أو إنجازات ظاهرة، الآخر يعتقد أن السير الحثيث نحو تحقيق الأهداف هو المعيار الوحيد للنجاح والاستمرار.
وهنا يتساءل البعض: لماذا يبدو الأديب وكأنه يعيش محاطًا بكل ما يزعج ذاته؟ أليس من المنطقي أن يهرب المرء من الألم والشكوك؟ ولكن، على العكس، الأديب لا يبحث عن السعادة السطحية، بل يسعى لاقتناص لحظات الحقيقة، ليستمد من المعاناة والحيرة مصدر إلهام لكتاباته. إنه يدرك أن الحروف التي يخطها ليست مجرد كلمات، بل هي انعكاس لعالم داخلي عميق قد يظل مغلقًا أمام الآخرين.
وفي المقابل، قد يكون الإنسان العادي قادرًا على الكتابة، ولكن السؤال هو: هل بإمكانه حقًا كتابة كل ما يدور في عقله؟ هل يجرؤ على مواجهة تلك التساؤلات التي تلاحقه، أم أنه يفضل البقاء في منطقة الراحة؟ هنا يكمن الفرق الحقيقي؛ بين من يحيا متسائلاً باحثًا عن معاني الحياة، ومن يختار المضي قدمًا دون أن يتوقف عند تلك الأسئلة.
إذن، الفروقات بين الأديب والآخر ليست مجرد فروقات في التجربة أو المشاعر، بل هي فروقات في الكيفية التي يتعامل بها كل منهما مع الحياة، في مدى استعدادهما للغوص في بحر التساؤلات أو البقاء على سطح الماديات.
بقلم سارة المطيري.
كتابة التعليق