تكاد لا تخلى اشعار العرب – الغزلية و غيرها – من لفظ العين فتجدهم يبدعون في وصفها و يكثرون الحديث عنها..
موضوع العين ف الشعر العربي واسعٌ جداً ولن أستطيع ان احيطه علماً و خبراً ولكن نكتفي ببعض الأبيات الشهيرة في هذا الجزء و حسبنا من القِلادة ما أحاط بالعنق، و من السوار ما أحاط بالمعصم.
كثيرة جداً هي الأبيات ولعلي ابدأ بالمشاهد الغزلية في سحر العيون :
يقول ابو بكر الشبلي :
لها في عينها لحظاتُ سحرٍ
تميت بها و تحيي من تريد
و تسبي العالمين بمقلتيها
كان العالمين لها عبيدُ
و يقول شاعر مبدع :
ولما رآني العاذلون متيماً
كئيباً بمن أهوى و عقلي ذاهبُ.
رثوا لي و قالوا كنت بالأمس عاقلا.!!!
أصابتك عينٌ !! قلتُ عينٌ و حاجبُ 🙂
و يقول آخر :
عيونٌ عن السحر المبينِ تبينُ
لها عند تحريكِ القلوبِ سكونُ
اذا ما رأت قلباً خلياً من الهوى
تقول له كن مغرماً فيكونُ.
وقال شاعرٌ متقدم :
“لو ان حظي باتساع عيونها.. لحكمت من نجدٍ الى بغدادِ.”
و نختم مشاهد الغزل بنزار قباني عندما زار الأندلس و تحدث مع المرشدة السياحية الأسبانية و أمعن النظر في عينها و رأى امجاد بني امية و تاريخ طارق بن زياد.. كان يقول :
“عينانِ سوداوان في حجريهما تتوالد الأبعادُ من أبعادِ ”
الى آخر القصيدة الرائعة..
….
هناك لغاتٌ عدّة و لهجات شتّى.. و هناك أيضاً لغةٌ بالعين لا يفهمها ولا يحسنها الا العشاق.. الموضوع أشبه بالخيال لكن الشعراء صوروا لنا هذا المشهد البديع .
قال جرير :
ولما التقينا و العيون نواظرٌ
سكت اللسان وطرفها يتكلمُ
تشكوا فأفهم ماتقول بعينها
و ترد عيني مثل ذاك فتقهم.
و قال عمر بن ابي ربيعة :
أشارت بطرف العين خشيةَ أهلها
إشارة محزونٍ ولم تتكلم.
فأيقنت ان الطرف قد قال مرحباً
و أهلاً وسهلاً بالحبيب المتيم
….
اما عن المشهد الأخير وهو اكثرهم حزناً و اقتلهم وجعاً ،بالنسبة لي مشهد الوداع و الفراق و سفك الدموع.. العرب أبدعوا و تفردوا جداً في هذا الجزء، مازلت متعجباً و مغرماً ايضاً كيف خرجت هذا الابيات البديعة التي تعبر عن مشاعرهم و كيف تحولت هذه الزفرات الى احرفٍ و كلمات بعجز اللسان عن وصفها..!
قال قيس ليلى :
يقولون كم تجري مدامعُ عينهِ
لها الدهر دمعٌ واكف يتحدرُ.
و ليس الذي يجري من العينِ ماؤها
ولكنها نفسٌ تذوب فتقطر…!
يا الله.!
و قال شاعر :
و قائلةٍ مابال دمعك أسوداً
و قد كان مبيضاً و أنت نحيلُ..!
فقلت لها جفت دموعي من البكا
وهذا سواد العين و هو يسيل..!
وقال شاعر :
ودعتها و الدمع يقطر بيننا
وكذاك كل مودعٍ مشتاقِ
شُغلت بتنشيف الدموع يمينها
وشمالها مشغولةُ بعناقِ
و أترككم مع آخر مشهد و اظنه مشهداً
سينمائياً..
تسلمُ باليمنى عليّ اشارةً
و تمسح باليسرى مجاري المدامعِ
و ما برحت تبكي و أبكي صبابةً
الى ان تركنا الأرض ذات نقائعِ
ختاماً، تظل العيون مرآةُ الروح، و لغة تتحدث بأعمق مافي مشاعر الإنسان، وتحكي قصصاً تتجاوز الكلمات. و الشعر العربي تمكن من وصف العين مجازاً و تحقيقاً و أبدعَ في تصويرها و الكلامِ عنها، و الإستشهادات أعلاه ماهي الا غيضٌ من فيض، و نقطةٌ في بحر ما قاله الشعراء، فلنعلم أن في كل لمحة عين، يَكمنُ عالمٌ من الأحاسيس التي لا تدركها إلا القلوب النقية، و الأرواح الصادقة.
حمزة ابراهيم عيسى.
مقالة رائعة جدا ماشاءالله أحسنت
قدامك مستقبل ي صاحبي
ماشاءالله تبارك الله
الله يوفقك ويسعدك ومن انجاز لانجاز