الثلاثاء, 3 شوّال 1446 هجريا, 1 أبريل 2025 ميلاديا.
مواقيت الصلاة

مواقيت الصلاه بحسب التوقيت المحلى لمدينة المدينة المنورة ليوم الثلاثاء, 3 شوّال 1446هـ

الفجر
04:56 ص
الشروق
06:15 ص
الظهر
12:26 م
العصر
03:54 م
المغرب
06:38 م
العشاء
08:08 م

الموجز الأخبار ي »»

المشاهدات : 9928
التعليقات: 0

رحلة الفرج بعد الشدة

رحلة الفرج بعد الشدة
https://www.alshaamal.com/?p=289925

“ما ودعك ربك وما قلى”
(الضحى: 3)؛
آية عظيمة تنبثق منها مشاعر الاطمئنان والطمأنينة.

في هذه الكلمات، دعوة لكل قلب يشعر بالوحدة أو الهمّ، ليعلم أن الله لا يترك عباده في ضيقهم، بل هو معهم في كل لحظة.

وهذا المعنى يتكرر في آية أخرى في القرآن الكريم:

“ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون”.
(الحجر: 97).

حيث يوضح لنا الله عز وجل :

بمعاناة رسوله صلى الله عليه وسلم من صعوبات الحياة وقسوة الناس. !!

هذا الاعتراف ليس عبثًا، بل هو تذكير لجميع المسلمين بأن مشاعر الضيق والحزن جزء من التجربة الإنسانية، ولكن الفرج قريب بإذن الله.

هذه الآيات تُظهر أن الحياة ليست خالية من التحديات، وأن الشدة جزء من طريق المؤمن نحو النضوج الروحي، العقلاني، والعاطفي.

ويظهر ذلك أيضًا في مواقف السيرة النبوية، حيث كانت حياة النبي صلى الله عليه وسلم مليئة بالصعوبات، ولكنه رغم ذلك كان دائمًا ما يتجاوزها بالصبر، والابتسامة، والتوكل على الله.

واحدة من أشهر مواقف الصحابة في هذا السياق هي صبر الصحابي الجليل بلال بن رباح رضي الله عنه في مواجهة العذاب، وكيف أن إيمانه جعل من هذه الشدة وسيلة لرفع درجاته في الجنة.

بلال ( لم يصرخ ) في وجه قريش أو يلعنهم، بل قال “أَحَدٌ أَحَدٌ”، مؤكدًا أن توجيه قلبه لله عز وجل كان هو السبيل الوحيد لاحتواء الألم والتحرر منه.

وهذا يعكس حقيقة عميقة: أن التحديات التي نواجهها في الحياة ليست سوى فرصًا لزيادة قربنا من الله وتهذيب أنفسنا.

من جهة أخرى، يرتبط هذا المعنى بشكل وثيق مع علم النفس الحديث.

فعندما نواجه الصدمات أو الضغوط النفسية، يعبر العديد من الأطباء النفسيين عن ضرورة إيجاد آليات للتعامل معها، مثل “التكيف” أو “المرونة النفسية”.

هذه المفاهيم تشير إلى قدرة الفرد على التكيف مع الظروف الصعبة والعودة من جديد إلى مسار حياته بشكل أفضل.

وقد أثبتت الدراسات أن الإيمان بالقدر وحسن التوكل على الله يمكن أن يكونا من أقوى العوامل المساعدة على التكيف النفسي والتغلب على الأزمات.

هذا ما يؤكده الحديث النبوي الشريف: “من يرد الله به خيرًا يُصِبْ منه” (متفق عليه).

حيث تدعو هذه الحكمة إلى الاعتراف بأن كل ألم أو ضيق قد يكون مدخلًا لخير أكبر.

وهذا لا يعني أن الإنسان يجب أن يتجاهل الألم أو يتناسى معاناته، بل هو دعوة للتعامل مع الألم بطريقة صحية، من خلال التأمل العميق، والصبر، والعمل المستمر على تحسين النفس.

وهذا ما يوضحه الطب النفسي المعاصر الذي يركز على أهمية إدراك الفرد لمشاعره والعمل على تطوير آليات التأقلم المناسبة.

وفي إطار التنمية البشرية، نجد أن العديد من الكتب والمحاضرات تدور حول فكرة “النمو من خلال الألم”.

هذا المفهوم يربط بين تحديات الحياة وإمكانية الشخص في تطوير نفسه من خلالها.

فالألم ليس نهاية الطريق، بل هو بداية لرحلة جديدة من التغيير والنمو.

وقد تجسد ذلك في حياة الصحابة الكرام، مثل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي تحول من رجل قاسٍ إلى رمز من رموز العدالة والتواضع بفضل تفاعله مع الألم واستخدامه كدافع للتحسين.

من خلال هذا المزيج بين الآيات القرآنية، أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، مواقف الصحابة، والعلوم الحديثة في الطب النفسي والتنمية البشرية، نصل إلى حقيقة مفادها:
أن الحياة مليئة بالصعاب، ولكننا من خلال إيماننا العميق بالله تعالى، ومرونتنا النفسية، وتطويرنا المستمر لأنفسنا، نستطيع أن نتجاوز أي تحدي نواجهه.

إن الفرج ليس غائبًا عن المؤمن، بل هو في قلبه عندما يثق في أن الله تعالى لن يتركه أبدًا. وكلما ازدادت الصعوبات، زادت فرص الفرج والنمو الروحي.

“وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ” (البقرة: 216).

فكل اختبار يمر به الإنسان هو خير له في الدنيا والآخرة، فثق بالله وتوكل عليه، وكن من أهل الفرج بعد الشدة.

د/ يَحيَىٰ بن عبدالعال عبدالعزيز

التعليقات (٠) أضف تعليق

أضف تعليق

بريدك الالكترونى لن نقوم بأستخدامه.

You may use these HTML tags and attributes:
<a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>