هل نحن شعبٌ قارئ؟ كنا ونحن صغار في بداية تعليمنا نهرع إلى مكتبة المدرسة، تلك الغرفة الصغيرة التي تضم في جنباتها العديد من القصص الجميلة، كانت ملتصقة بقلوبنا، كما أن أمين المكتبة ذلك المعلم الكبير في السن كان يعطينا تلك القصص بنظام الإعارة ويغرس في نفوسنا الثقة من اجل اعادتها بعد قراءتها،
ولما كبرنا قليلا ودرسنا في المعهد العلمي بضمد، وجدنا فيه مكتبة كبيرة مليئة بمختلف أنواع الكتب الأدبية والعلمية وغير ذلك، وكنا في الفسحة نستعجل فطورنا، ونسارع في بقية الوقت إلى الجلوس في زوايا تلك المكتبة العامرة، التي كان يخيم عليها الهدوء رغم امتلائها بالطلاب، هذا يقرأ كتابا، وذاك يستعير قصة، و آخر يتجول في صفحات ديوان أدبي أصيل من تراثنا الناصع الجمال، ولما انتقلنا لإكمال تعليمنا في جامعة أم القرى، -تلك الجامعة العريقة- ما زلت أذكر مكتبتها القديمة ذات الثلاثة أدوار، وما زلت أذكر عميد مكتبتها الدكتور ضيف الله الثمالي، وما زلت أذكر وجوه موظفيها، وما زلت اذكر زواياها التي كنا نجلس فيها بالساعات، نتصفح مختلف الكتب، وكان الطلاب يمنحون بطاقة يستطيعون بواسطتها استعارة مجموعة من الكتب في وقت واحد، عندما تجلس في الدور الأول تجد مجموعة كبيرة من الطلاب وفي أيديهم الكتب من مختلف الأقسام والكليات، وهم يريدون تسجيلها من أجل استعارتها، كان منظرا يشدني كثيرا ويعجبني أن أتأمله *وكان الموظفون لطيفين في تعاملهم مع هؤلاء الطلاب، حيث كان يبادرون الى اعارتنا اي كتاب نحتاجه،
وفي السنوات القليلة الماضية، اختلفت مصادر قراءاتنا وثقافتنا، وخصوصا مع الانتشار المذهل للإنترنت، والشبكة العنكبوتية، ووسائل التواصل الاجتماعي، في العالم الافتراضي،
وأثناء زيارتي الأخيرة الى مكتبة جامعة جازان، شاهدت في أدوارها المتعددة ذلك التنظيم الرائع، لمختلف الكتب و المخطوطات، ولكني تعجبت كثيرا لقلة الشباب أو القرّاء الموجودين في ردهات تلك المكتبة،
ويبدو أن جيل اليوم من الشباب انحصرت ثقافته على الانترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي، وهذه الثقافة الفيسبوكية، ابعدت شبابنا عن مصادر تراثنا الأدبي والفكري الموثوق في مرجعياته وأُسسه، والأصيل في توجهاته وقيمه، والعريق في انتمائه لحضارتنا الإسلامية، وثقافة النت زادت الهوة بين أجيال اليوم ومصادر حضارتنا وفكرنا، فثقافة الفيس بوك و والواتساب لن تُخرج الا جيلا مشوشا عقيما في مخزونه الفكري والأدبي والإبداعي، لأنه عالم اختلطت من خلاله حضارات العالم، واندست فيه توجهات مشبوهة، تتبني كثير منها قيما سوداء ،مثل التطرف والإلحاد والانحلال، وهو مليء بكثير من الشبه والامراض الفكرية، والرؤى المسمومة، وستؤثر سلبا على الناشئة والشباب،
ومن الضروري ان نعمل ونخطط ونجتهد لحماية اجيالنا القادمة فكريا ، فأبناؤنا يستحقون منا ان نبذل كل الجهود كي نحصنهم ضد الامراض الفكرية المستعصية، مثلما نحصنهم ضد الأمراض الوبائية الخطيرة، فالإلحاد أشد فتكا من الطاعون، والإرهاب والتطرف أكثر وبائية من السل والجدري،
وليس لنا من حيلة الا أن نربطهم بمصادر تراثنا، وأن نمد الجسور والوسائل التي تقرب أجيالنا الواعدة من تراثنا الاصيل، وان نعتمد استراتيجيات تتبنى زيادة عدد المكتبات ودور الكتب، سواء على الإنترنت، أو في محافظاتنا ومناطقنا، لتواكب الزيادة الكبيرة لعدد المواليد من السكان،النمو البشري المطرد لفئة الشباب والناشئين في بلادنا، وإن نوجد ونؤهل مراكز ثقافية في كل المحافظات ونجعلها حدائق ثقافية،
لتحتويهم وتحصنهم فكريا ، وتتبنى توجهاتنا الوطنية، وقيمنا العليا،وتطلعات ولاة أمرنا، وانتماءنا الفكري والديني والحضاري،
وأيضا نتبنى وندعم ونوجه الفعاليات والمهرجانات الثقافية والمسابقات في القراءة والحفظ والبحث العلمي، والأبداع الأدبي، لربط أجيالنا بمصادر تراثنا وقيمنا وحضارتنا وفكرنا،
ومن الضروري في عالم اليوم ان نرعاهم فكريا، وأن نراقب نموهم الفكري والثقافي، ونفتح معهم الحوارات ونترك لهم مساحة للتعبير عما يجول في نفوسهم، ونستمع إليهم، ونناقش افكارهم بمحبة وود،
وان لم تتسع صدورنا لأبنائنا ، فسيحتضنهم أعداؤنا وأعداؤهم، ويجندوهم لخدمة أجنداتهم واهدافهم خفية او جهرا،
وأذا كنا صادقين ومخلصين في حبنا لأبنائنا فيجب علينا ان نقف معهم ،و لا نتركهم لتعصف بهم مواقع التواصل والعالم الافتراضي والغزو الحضاري والفكري القادم من الغرب والشرق عبر الانترنت، حتى لا تتخطفهم الافكار والرؤى الظلامية، وتهوي بهم التوجهات الإلحادية المسمومة في مكان سحيق .