كتبت كثيرًا جدًّا في العديد من المجالات، وقلت رأيي هنا وهناك، ولكن أتوقف دائمًا، كلما حاولت الاقتراب منه أتلمس هيبته وتلك النظرات في عينيه، كان يعلم ما سأقول قبل أن أنطق ببنت شفة.
والدي.. دعني أقول لك كم أتمنى أن أراك الآن، وأقبل جبينك، وأحتضنك كما أحتضن وأقبل ابني الصغير.
أبي.. هل تذكر تلك اللهفة التى كنت أقابلك بها رغم قسوة الحياة، وابتعادك عنا لأيام وأيام بحثًا عن ذاك المجهول؟
أبي.. أحبك وأفتقدك، وتدمع عيناي شوقًا لرؤيتك، وتهفو روحي شوقًا لتلك الإطلالة المليئة شموخًا ووقارًا.
كانت قسوتك مدرسة تربي فيها جيلك، وقوتك دروس لم يكن لك فيها خيار، أنا أعذرك الآن.. ولم أكن أعلم أنك تحمل قلبًا كبيراً يفوق قدرتي على مجاراتك.
عندما يفقد أحدنا عزيزًا عليه تمضي الحياة وربما يتجاوز ذلك بنعمة النسيان، ولكن فقد أحد الوالدين مهما فعلت أو حاولت لن تستطيع تجاوزه، وكيف لك ذلك؟! وهو يعيش بين حناياك ويقتطع جزءًا من قلبك، ويتشبث بناظر عينيك.
كم تعتصر فؤادي ذكراك، وتجعل يداي ترتجف وهي تخط ألم فراقك.
في لحظات انكساري لا أذكر أحدًا سواك.. أعلم بأنك الوحيد الذي يغفر لي أخطائي، ويقول لي لا تخف سأكون معك.
كنت أعتقد بأن يديك الحانية تقسو، ولم أكن أعلم بأنها تحذر وتشفق، وترجو أن أكون الأفضل.
أبي.. هل يحق لي أن أشكرك واعتذر منك، وأقبل قدميك، وأدعو الله أن ينزلك منازل الصالحين في جنات النعيم على ما قدمت لنا، فنعم الأب والمعلم والمربي أنت.
أبي.. أقسم لك بأني أحبك، وأتوق لرؤيتك، هل تعلم لماذا؟ لأقول لك شيئًا واحدًا فقط لم أستطع قوله لك لثلاثة عقود من الزمن.
أحبك أبي.. لم أبكِ يومًا بحرقة مثلما أبكيك الآن، كنت أتمنى أن تكون معي وتشاهد أحفادك وما أنا عليه الآن.
أبي.. هل ستعود يومًا لترى ما لا نرى، وتقول لنا افعلوا هذه واجتنبوا تلك؟
دعني أحلم فربما أصحو مجبرًا كما ذهبت أنت.
ومضة:
سأظل أبكيك ما حييت بعيدًا عن أعين المتربصين.
للكاتب : عائض الأحمد