كل المقاعد كانت تتجه إلى النهر باستثناء مقعدي كان متجها إليها، هم ينظرون إلى المراكب الصاخبة التي تتعالى فيها أصوات الفرح وأنا أنظر إلى الدَّرَج القديم الذي كانت تجري عليه وعلى وجهها الدائري دمعة، وأنا أستمع إلى رجائها، انقطع الاتصال بيني وبين السامرين معي على الضفاف، آثرتُ أن أعيش لحظة الفراق بيننا في غربة أراها عمرا وهي أيام، في أول يوم أغيب فيه عنها اتصلتْ تسأل عن موعد عودتي، تكرر عندي منظر بكائها ودموعها وجلستها على آخر السلم وكيف كانت تدعوني لأجلس بجوارها، وأنا أقول لها: لن أغيب عنك كثيرا وسأجلب لك بعض الهدايا وألعاب وهي تمسح دمعتها باأصبعها الرقيق وقد اتخذَ شكلا أشبه بانحناءة حزين وهي تسألني وهل ستحضر لي….و….وأنا أقول لها : كل ماتريدين، وكيف نهضتْ بخفة ورمتْ بجسدها الصغير بين أحضاني وهي تضحك وتبكي في آن معا وأنا أقبلها مكان الدمعة وألوّح لها تلويحة الوداع، كل الذين حولي ظلوا يستنشقون نسائم النهر وتضيء في عيونهم الأنوار القادمة من الدُّور العالية وأنا أسترْوحُ من عالمها الصغير كل نسائم العالم، تركنا المكان الهادىء وهم يسألون عن سر الشرود ، في اليوم الأخير للغربة اتصلتْ تسألني وقد كنتُ قريبا منها يفصل بيننا الباب أين أنت؟ قلتُ لها بجانب النهر البعيد، ضحكتْ وقالت أنت تضحك عليّ ، كان شعورها أكبر من عمرها، فاجأتها بفتح الباب وهي تتكىء عليه، هبت نسائم مع لحظة العناق أروع من النسائم التي عرفتُ عنها، لم تسألني عن الهدايا التي وعدتها بها ، كان الموقف أروع بكثير من فتح الحقائب القادمة من السفر.
المشاهدات : 47416
التعليقات: 0