لا يخفى علينا جميعاً ما للمعلم من دور ريادي وحيوي في مسيرة التعليم، إذ يُعد من أهم أدوات النهضة لدى كل أمة من الأمم ومن أهم مصادر المعلومات، فهو المربي الذي تنهض الأجيال على يديه، وهو المسؤول عن صياغة العقول، وإظهار مواطن الإبداع لدى الطلبة، والركيزة الرئيسة في المنظومة التربوية والتعليمية والمؤثرة في مستوى جودة التعليم وتميزه. والتاريخ زاخر بقصص أولئك العظماء الذين ما كانوا ليحفروا أسماءهم على صفحات التاريخ الإنساني لولا معلميهم الذين بذلوا جهوداً نوعية ومُضنية في إيصال رسالة التربية والتعليم لمستفيديها ، وكانوا بمثابة الحواضن التي احتضنتهم ثم بثّتهم في مواقع يستحقونها.
لا شك أن يوم المعلم الذي حددته منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) والذي يصادف الخامس من أكتوبر في كل عام موعدٌ للاحتفاء باليوم العالمي للمعلم تحت شعار ((المعلمون الشباب: مستقبل المهنة)) يحفزنا لبذل المزيد في تكريم المعلمين وتعظيم شأنهم ورفع مكانتهم في مجتمعاتهم، والارتقاء بمهنة التعليم والنهوض بها للحاق بركب الحضارة. وفي هذا العام، اختير هذا الشعار في إطار السعي نحو صياغة استراتيجية تستهدف إعلاء شأن المعلم من خلال فهم وتحسين البعد الثقافي والمجتمعي لمهنة المعلم بشكل عام، وإعادة الهيبة لدوره ومكانته وتحفيز واستقطاب الكفاءات الشابة للالتحاق بمهنة التدريس. ويحتفل مركز اليونسكو الإقليمي للجودة والتميز في التعليم بهذه المناسبة للإشادة بجهود المعلمين المتميزة وتقدير لمكانتهم الرفيعة وتعظيم شأنهم في المجتمع.
ولا يخفى على كل قاصٍ ودانٍ أن المملكة العربية السعودية تحت القيادة الرشيدة لخادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين حفظهما الله تولي قضية التعليم اهتماماً خاصاً في سياستها الداعمة للدول العربية بشكل عام و قضية جودة التعليم بشكل خاص ، كما تبذل المملكة ممثلة في وزارة التعليم جهوداً حثيثة لإحداث تطوير مستمر في فلسفة التعليم من خلال التعاون مع المنظمات والهيئات الدولية والإقليمية المعنية بتعزيز دور التعليم في التنمية المستدامة، وضمن هذا السياق أنشئ مركز اليونسكو الإقليمي للجودة والتميز في التعليم تحت مظلة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) لتعزيز الجودة والتميز في التعليم ونشر هذه الثقافة في الوطن العربي.
ومن المعلوم بالضرورة أن المعلم يأتي في قلب العملية التعليمية، وهو أحد العناصر المهمة والفعالة في تعزيز جودة التعليم وتميزه وجعله واقعاً ملموساً، ومن هذا المنطلق يضع مركز اليونسكو الإقليمي للجودة والتميز في التعليم قضية جودة المعلمين ضمن أولوياته الرئيسية حيث نفذ مجموعة متنوعة من المشاريع و الدراسات البحثية لتعزيز جودة المعلمين تضمنت على سبيل المثال لا الحصر: مشروع سياسات وبرامج التدريب أثناء الخدمة وبرامج التنمية المهنية للمعلم، ومشروع السياسات الخاصة بالمعلمين في الأنظمة التعليمية، ومشروع مراجعة تطويرية لبرامج إعداد معلمي المرحلتين المتوسطة والثانوية.
وتعزيزاً للدور الريادي الذي تضطلع به مملكتنا الحبيبة على المستوى العالمي، واستمراراً في جهود قيادتنا الرشيدة أيدها الله الرامية للارتقاء بمستوى جودة التعليم وتميزه، أبرمت مذكرة تفاهم مع منظمة اليونسكو ممثلة في الفريق الدولي المعني بالمعلمين (International Task Force on teachers) بهدف إجراء دراسات حالة حول مهنة التدريس ضمن عملية صياغة تقرير دولي شامل عن السياسات التعليمية. وتتويجاً لهذه الجهود فقد حصلت المملكة العربية السعودية – ممثلة في المركز – على مقعد الرئاسة المشتركة في اللجنة التوجيهية الخاصة بفريق العمل الدولي المعني بالمعلمين.
ختاماً.. أخي المعلم: من الجميل والرائع أن تجعل يوم المعلم يوما تقيّم فيه ذاتك بمحاسبة بنّاءة ، فأنت عصب المنظومة التعليمية وعمودها الفقري ، والتكريم الحقيقي أن ترى ثمار جهدك طوال العام في أبنائك الطلاب عندما يتميزون ويصبحون عظماء يسهمون في رقي الوطن ونهضته . فالمعلم الحقيقي هو من يجعل طلابه في المصنع (حجرة الصف) كالجواهر والألماس فيعمل على صقلها وتلميعها بكل صبر ومهارة، لتزداد بريقاً ولمعاناً، وكذلك الطلاب تتفجّر طاقاتهم الكامنة ومواهبهم الإبداعية، وتتيسر لهم سُبل المعرفة المتجددة واكتساب المهارات الحياتية والتحلي بالمبادئ والقيم الفاضلة، فيغدو الصف بيئة مدرسية جاذبة مبهجة، ويزداد الوطن مجداً وشموخاً.
كل عام وأنت – أخي المعلم أكثر إبداعاً وتميزاً وتطوراً ومحباً لمهنتك وحريصاً على طلابك، و كما قال الرافعي: “المُعَلِّمُ ثَالِثُ الأَبَوَيْنِ، فَلْيَنْظُرْ كيفَ يأبُوْ، حِينَ يَنظُرُ كَيفَ يُعَلِّمُ”. حفظ الله معلمينا ومعلماتنا في صناعة مستقبل واعد ومشرق لأبنائنا وبناتنا.