الجاهلية لها أكثر من معني، وحديثنا ليس فقهيا أو سردا تفصيليا لمعنى “الجاهلية” في حقبة معينة؛ وإنما نقصد به ما علمت وأيقنت، لكنك تصر على جهلك، معتقدا صحة ما تقوم به، وأنت على قدر من المعرفة والتخصص والدرجة العلمية، غير أنها لم تشفع لك ولم تزدك إلا جهلا وضلالًا معرفيا.
وإلا بماذا نفسر هذا السلوك وتلك النعرات الغائرة في جذور أمم انقرضت وخلت، ثم يأتي من يثيرها زهوا وفخرا بأنه سيد العربان وفارس بنى “حوبان”.
ثم يأتيك رجلا يلقي محاضرة لا يكاد ينجو منها أحد، وفي نهايتها يصفع الحضور بتلك الفوقية والتعامل الجاف، ويعيدك متسائلا: أي علم هذا وأي منهج قال بذلك؟!
ننظر كثيرا ونحب الظهور عكس التيار، ثم نصطدم بواقع أفعالنا وشخصياتنا الحقيقية التى نتعايش بها مع المجتمع. نتفرد في حب الفردانية، ونوغل كثيرا في نقد غير المتسلحين بتلك الديباجة المبهرة: “أنا المتخصص في هذا وتستطيع أن تناقشني عندما تبلغ منزلتى العلمية والفكرية وليس من حقك أن تختلف معي”!!
لو كان لي ما لديك من معرفة وثقافة لنشرتها في أصقاع الدنيا، ولجعلت المعمورة عامرة بفيض كرمكم وفصاحتكم وعلمكم، فهل هذا يشفع لمعاليكم تلك النبرة الأخاذة الساحرة وحسن ودكم مع من ينشد قربا لعله ينهل من مشربكم؟
الثقافة كما علمتُ ليست كتابا تقرأه أو وساما تتقلده أو ظهورا تنشده؛ إنها مذهب قولٌ وعملٌ وحياة لا تعدد فيها، وإنما أخلاق لا تتغير حسب المواقف والمتغيرات.
فمن أين لك هذا الجلف ومن علمك النفاق لتعيش بوجه نقي هنا وترفضه هناك عندما تغلق الأضواء وتخفت الانفاس؟ وكأنها عادة قومٍ نذكرهم فيستعيذ منهم أصحاب جاهلية لم يأتي ذكرهم بأبشع من هكذا خزي.
يحدثك عن التعصب، فتظن أن الدنيا بخير، ثم يقلب أوراقه ويرسل رسائله ما بين “اسمعي يا جارة” و”هزلت” و”تمرغت بوحل” هذا البوح الفريد وذاك اللحن الرائع بكاء على أطلال خرابة داركم.
يا هذا.. لك الله أن تخفي العظيم وإن ظهر، وتبطل الحق وتزهو باطلا.
إن عاد عادت كرامات الأمم، وإن غادر غير مأسوف عليه صمت، ثم نطق، سنرى من سيأتي بعده لنكمل من أنتم وأين هم؟
عندما تشعر بالسعادة فقد تكون إشراقة صباح، وهي ذات اللحظة في غروبها، وقت المساء، نفس المشاعر واختلاف أوقات، وهذا يعني أن ظلالك قد تكون شمس حارقة.
من يعشق الألوان يجعلها لوحة تتحدث، فهلّا جعلت حديثك ألوان طيفٍ؟ ولن تصلك الشتائم إن كانت الثقة عنوانك.
**************************
ومضة:
الراوي! عن فلان ابن فلان إلى أن يصل إلى حديقة منزلكم، فينام ثم يصحو قائلا: من أتى بكم؟