فتحتِ الصندوق الخشبي الأحمر، فاحتْ منه رائحةٌ قديمة، أخرجتْ قطعة قماش ،نظرتُ إليها ثم تنهدتُ تنهيدةً بعمْر قطعةِ القماش، قالتْ : هل تتذكر هذه؟ تذكرتُ أن بائع البزِّ وهو يدور في الأزقة مرَّ علينا، عندما أراد أن يقف ليبيع منا وقع حماره على الأرض من الإرهاق، ساعدناه بحمل قطع القماش ووضعها على طاولة خشبية ، عندما رأينا أن الحمار قد شعر بالراحة قدناه نحو مربط الحمير عندنا، أقبل الجيران نحونا للشراء، باع كل ماعنده من القماش، بقيتْ قطعةٌ زرقاء لاتناسب الفتيات الصغار، أعطانا إياها مجانا، وضعنا القطعة في الصندوق، غادرنا البائع ولايزال الصندوق مفتوحا ، نظرتُ بتأمل للخرقة الزرقاء، قلت لها يا…. هذه تناسب نساء الستين، ضحكتْ بأسنان كالبرَد وهي تجيب: سألبسها في الستين، قلتُ لها بعد عمر طويل ياغاليتي، بعد كل هذا العمر أخرجتْها ولايزال شذى الماضي فيها، قالت : ومن سيخيطها الآن؟ قلتَُ لاتقلقي، لايزال هناك من يحمل الماضي على كفِّ الحاضر، مضى يومان، كان الثوب جاهزا، ظهرتْ رائعة وهي في الستين، احتفلنا به، عدتُ لأفتح الصندوق كي أستروح الذكريات، جلسنا على السرير، أحاطتني بيدها، ظللتُ أسرد عليها الأحداث، شعرتُ بحرارة دموعها وهي تسقط على يدي، أخفيتُ الصندوق كي لاتزيد من البكاء، طلبتُ منها أن نكتفي بدموع الثوب ، مسحتْ دموعها وأنا أقرأ في خيوط ثوبها تفاصيل العمر معها.
المشاهدات : 52273
التعليقات: 0