في أحد أيام العمل المُعتادة دون علم أو مناسبة أو بوادر مسبقة تنذر بشطحة قادمة لا محالة، دخل أحد الزملاء مُصبِّحًا بالخير على غير عادته وليته لم يأتِ أو أصيب بنزلة برد، أو جرح غائر في جمجمته يمنعه من الحضور أسبوعاً كاملاً؛ فقد هالني ما رأيته وعلى ما يبدو الزميل نسي أو هكذا بدا لي أن يستبدل ملابس نومه (بجامة) كاملة المعالم مزخرفة بالأحمر والأصفر، ويتأبط شنطته متبخترًا، ثم أخذ مكانه ووضع ساقًا على أخرى، وأنا أنظر حولي؛ كيف لهذا الرجل أن يظهر بتلك الصورة؟!. حتى لو كانت رهانًا مقبوضة، ما تجرأت على فعلها.
هذه التصرفات (الشاذة) لها ما يُفسرها بالتأكيد، وهذا لن يكون معرض حديثنا، فنحن نسرد بعضًا من غرائب أيام خوالٍ، إن كانت كذلك كما رأيت أنا ومن كان معي من المقهورين في الأرض.
في مشهد آخر.. وفي لغة تحدٍّ من نوع، كيف لكم ذلك؟ كان لدينا إعلان عن وظيفة، من ضمن اشتراطاتها إجادة قيادة إحدى المركبات الصغيرة حسب نظام معين، ولكن للأسف مرشحنا لم يستطع تجاوز الاختبار مع المختص، وعلى ما يبدو أن هذا الرجل شعر بظلم؛ وإلا كيف لم يتجاوز الاختبار وهو يحمل رخصة قيادة منذ سنوات!. عموماً ذهب الرجل على وعد بأن يعود بعد التدريب.
في اليوم التالى مباشرة وأثناء قدومنا صباحًا وجدنا شاحنة (مقطورة) تسد عين الشمس، وسائقًا ينظر لنا بشموخ رافعًا رأسه ويضع يده اليمنى على المقود والأخرى خارجها وينفث دخان سيجارته مبتسماً.. أنا هنا أين أنتم (ما كان لكم حرماني إن لم أكن فمن سيكون مكاني).
مواقف لم تكن لتحدث لولا تلك الجرأة المكتنزة فكر وعقل من يمارسها دون شعور أو إحساس بمقتضى ردة فعل الآخرين ونظرة الاستهجان التي تطال هذا الشخص، وتبلد إحساسه بالمكان وما يدور حوله غير آبهٍ بكل هذا وما قد يعني.
لم نعد نقف كثيرًا عند الكثير من الغوغاء التي تحدث حولنا، وأصبحنا نصم الآذان ونرفع أنظارنا إلى السماء فنعلو ونرقى تجاهلًا وتعففًا حد الفقر لكي لا نطلب أو نمد أكفنا شفقة على متطاولٍ أو فاجرٍ يسقي خصومته أقبح الألفاظ وأبشع العبارات معتقدًا بأنه انتصار، وهو يرى مخلفات فعلته تزكم الأنوف وتهوي بكل معتدل فكيف بمن مال يمينًا أو ذهب يسارًا.
حافي القدمين فقط هو من يسأل أي أرض ستطأها قدماي.
التالي هو الأسطورة الحية خبير الإدارة، الذي رفض التكريم وتقطيع قالب الحلوى بحجة أن هناك من سيأكل عينه؛ ثم ودعنا وهو يقسم بالله بأن هذا اليوم كان أجمل أيام حياته، وهو يعلم بأنه يكذب وكل من حوله يكذبون، وعلا التصفيق وداعًا أيها الرفاق.. على أمل لقائكم في موعد غير قريب بإذن الله.
أما الأكثر سخرية فهو معلم الأخلاق ومربي الفضيلة وماسح خطايا العائدين على يديه بنصحية ترد كل المذنبين، كان في ساعة غضبه يفتح أقذر ما لديه، ويقول: “هذا مذهبي وهذه ملتي”.
ومضة:
عندما يكون لسانك أطول عضو في جسدك؛ فتأكد أن عمرك أقصر بكثير.