يقابلك الكثير من الناس، البعض منهم يمر هكذا دون أن تلقي له بالًا أو يستوقفك حتى بالنظر إليه، والعكس.. فهناك من يأتي وكأنّه يقول لكل من حوله أنا هنا، ويعقد العزم دون مقدمات، ظنًّا منه بأنه محور الاهتمامِ، ونقطة اللقاء، وأهم الحاضرين.
هناك من يعتقد بأنه وصل القمة لمجرد ظهور (تافه) في أحد مواقع التواصل، علمًا بأنه لم يضف لأحد معلومة، ولم يطرح رأيًا ذا قيمة، ولا خبرًا ذا أهمية، والغريب بأنه يمشي كالطاووس ويزدري كل من حوله لجهلهم بمن يكون.
ابتلينا ببعض مفلسي الإعلام الجديد وكل سيرته الذاتية تلك (الكاميرا) في (جواله) الخاص يتنقل بها هنا وهناك، بحثًا عن إعلان تجاري، أو نقل أخبار كاذبة، أو تسويق لأفكار شاذة.. وهذا لا شيء، فمنهم من يقحم خصوصية منزله بكل بساطة فيظهر لك أفراحه وأتراحه، وليس أعظم مما فعل أحدهم وهو يصور أحد أقاربه في نزعاته الأخيرة وأهل منزله مجتمعين حوله، وأخ العرب ينقل لنا الأحدث مباشرة على الهواء؛ أي أخلاق هذه وأي مستوى وصل به حال هذا الشاب صنيعة إعلام العار الجديد.
إن قلت لهم لقد تجاوزتم الخطوط كافة.. فسيأتيك الرد مباشرًا.. ما هذه العقد؟ فأنت لم تقل الجديد ولم تشرح غير المفهوم، نحن نعلم كل هذا وعليك أن تخرج أنت من إطار مثاليتك لتعيش واقعنا نحن، أو اصمت فليس المكان مكانك ولا الزمان زمانك. وعليك أن تنتظر ما سيأتي؛ فربما تعيش أبهى أيامك وأنت لا تعلم ماذا سيحل بك من جديد قادم لا محالة.
ما يجعلنى أكثر اطمئنانًا وأكثر قدرة على الإنصاف بأنني من جيل عاش وعايش الجيلين، وربما أكون أنا وأبناء جيلي على قدر عالٍ من التفرقة بين ما يحدث الآن، وما كنا نعيشه في أيام مضت؛ بعضنا يترحم عليها وأنا أحدهم؛ ليس لسوء هذا الجيل، ولكن لسوء تقديرنا وتعاملنا مع كل ما هو جديد، نسيئ استخدامه، إما بجهل منا أو لعدم وجود ضوابط واضحة تحد من تجاوز البعض، وقد يكون بحسن نية في بعض الأوقات. وهذا لا يبرر ما يحدث أبدًا.
المثير بأن من كنا نظن فيهم خيرًا أو هكذا مُرِّرَ لنا من مخضرمي ومحبي (الشهرة) ليسوا أقل جُرأة من حال هؤلاء الشباب. ويقول قائلهم أنتم السابقون ونحن لكم مكملون بحق، خالف تمضي قدمًا في عصر لا يشبهه أي عصر آخر.
رحم الله تلك الأيام.. عندما كانت والدتي بحساباتها الخاصة تظن أنني متأخر، علمًا بأنّ الساعة لم تتجاوز التاسعة مساءً. وتظل منتظرة عودتي دون أن تجد وسيلة للسؤال غير تلك اللحظات التي تملؤها قلقًا وحيرة، حتى ينال منها التعب.. أين أنت يا بني؟
***********************************
ومضة:
إن حضر فهو كل شيء، وإن غاب فهو الشر كله، عندما تكذب حد السخرية من نفسك.