يوم عرفة هو من أعظم أيام الدنيا على جميع المسلمين ، من حضر منهم للحج ومن بقي لظروفه، فهو يوم قال عنه صلى الله عليه وسلم “إنَّ دِماءَكُم، وأمْوالَكم وأعْراضَكُم حرامٌ عَلَيْكُم كَحُرْمة يومِكُم هَذَا، في شهرِكُمْ هَذَا، في بلَدِكُم هَذَا، ألا هَلْ بلَّغْت” متفقٌ عَلَيه ، وقد كان ذلك في بطن عرفة في حجة الوداع، فقرن عليه الصلاة والسلام عِظم التعدي على الحرومات بحُرمة المكان والزمان الذي كان فيه.
أننا وكساكنين لأطهر بقاع الدنيا مكة المكرمة نستشعر كُل عام هذا الحشد الإسلامي العظيم الذي أتى من كل فجاً عميق ونفاخر به الدنيا، نحن كأبناء مكة المكرمة تعودنا على خدمة ضيوف الرحمن بطيب النفس وأصالة العرق الذي توارثته أجيالنا منذ فجر الإسلام الأول، نستشعر نزوله جلّ في علاه للسماء الدنيا مُفاخرًا بعبيدة ملائكة السماء والأرض، فأي شرف هو ذاك..! أي شرف يناله الإنسان عندما يُفاخر به رب العالمين سبحانه فعن أحمد في “مسنده” وابن حبان في “صحيحه”، والحاكم في “مستدركه” من حديث أبي هريرة مرفوعاً: (إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء، فيقول لهم: انظروا إلى عبادي، جاؤوني شعثاً غبراً).
ثم أنه ليُكرم عباده بالعتق من النيران، حيُث يزيد من اعتقهم في يوم عرفة لوحده عن عدد من اعتقهم في سائر العام فعن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عبيداً من النار من يوم عرفة، إنه ليدني، ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء).
أنني مملوء هذا اليوم بالفخر وأنا أقف هنا بينهم ومعهم ومن أجلهم ، إنها لذة بقاء الأثر وصنع المعروف التي لن يستطيع تذوقها إلا كُل ذي قلب حيّ، هُنا يقف الحجيج يكسيهم البياض وقد تجردوا من جميع مباهي الدنيا، غنيهم وفقيرهم قويهم وضعيفهم يلبوسون ذات اللباس ، ويقفون نفس الموقف يطلبون نفس الحاجات الرضا والقبول والمغفرة من رب العالمين، ومن حولهم شبكة مُساندة لاتتوقف ولا تتوانا، تعمل على مدار الساعة بلا كلل ولا ملل، تكاتفت جميع الجهات والقطاعات المدنية والعسكرية من أجل هذا الشرف الذي لايناله إلا ذو حظ عظيم ، شرف خدمة ضيوف الرحمن .
هُنا في عرفات حيث يقف ٢ مليون ونصف مُسلم ، بكل سلاسة ويُسر ، ينتقلون من مشعر لآخر بإدارة مُتقنة وعمل دؤوب، ففي ظل حكومة قائد الحزم والعزم والتغيير خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله، قفزت هذه الأماكن المُقدسة إلى قمة التطور والتمدن، حيث توافرت جميع الإمكانات والكوادر التي لاتتوافر في أي مكان في العالم إلا في مكة المكرمة ، فهي بلد يستقبل العالم بأجمعه كُل عام ، لذا قادها هذا الرجل العظيم لتكون مُتميزة عظيمةً تليق بعظمة هذا الحدث الذي لايتكرر إلا مرة واحدةً كُل عام .
بقي سويعات قليلة وينتقل هذا الحشد الذي نُفاخر به العالم للإفاضةِ من عرفات، وهي سويعات ذهبية لن تتكرر إلا العام القادم ، ولست أعلم إن كان العُمر سيمهلنا إلى حينه، فأنتهزوا كُل ثانية فيه ، استشعروا كُل مميزات هذا اليوم الدينية ، استذكروا حجةً الوداع وماحصل فيها ، الخطبة، والأحاديث، ومشقة الحج آن ذاك ، استشعروا هذا اليوم العظيم فهو من الأيام الذهبية .