لم تكن جمعية مراكز الأحياء ولا مراكزها الحية ولا أفراد فرقها التطوعية بمعزل عن العالم، ولم يكن ضميرهم يراقب الحدث من خلال نشرات الأخبار ووسائل الإعلام وشبكات التواصل؛ بل تمثلوا قول الأول: تمشي رويدًا وتجي في الأول، لتجد الجمعية مكانها هو أن تتمثل اسمها وروحها فتكون الضمير الحي المستجيب؛ حتى غدت في الصفوف الأمامية في مكة المكرمة بجانب رجال الصحة ورجال الأمن ولم لا وكلنا مسؤول!
• إنها تحويل الكلمةِ إلى فعلٍ إنها إدارة العجلة الى حيث مصلحةُ الإنسان!
• خذ القصة من أول فصولها: عرفنا كلنا جمعية مراكز الأحياء، منذ سنوات وأنّ هدفها هو: نشر القيم والمثُل، وتبني المبادرات المجتمعية التي تعزز الجوار، لقد رأيناها وهي تقيم المناسبات والاحتفالات التي تظهر فيها جمال مكة الكرمة.. وإنسان مكة المكرمة الذي هو جزء معبر عن إنسان المملكة العربية السعودية كلها .. في قيمه وأخلاقه وعاداته..!! نعم هكذا عرفنها مؤسسة اجتماعية!
• لحظة تمثل المسؤولية
• ثم جاءت اللحظة التي سخرت فيها تلك الداتـا الـحـــيــــة من الـمــتــعــــاونـيـن والمندوبين إلى رسلٍ ينبعثون إلى قـطــاعـاتـهــم وأحــيـــــائـهـم لـيـتـفـقــدوا المعــسـرين والمـعــوزين والمـتـضــررين من جائحة كورونا .. لتقدم لهم الدعم والسلال الغذائية والوجبات الساخنة والجافة واللحوم الطازجة والخضار والفواكه وغير ذلك من المطعم والمشرب، وسقيا الماء في ظروف صعبة يكفي وصفها بحظر التجول.. وأنها أيام الجائحة العالمية!!
• يتحدث العالم اليوم عن اتجاه شركات صناعة السيارات الى صناعة المعدات الطبية وإنتاج أجهزة دعم التنفس وقد تواجه تلك المصانع بعض التحديات وكذلك كل مؤسسة تتولى مهمة في وقت الأزمات ستواجه التحديات ولا تظن أن مهمة الجمعية كانت سهلة كسهولتها في النطق .. المهمة في الأزمات صعبة دائمًا .. في صورة فرد .. فكيف هي في صورة كيان ومؤسسة بكل خططها ونجاحاتها المتنوعة..
• ولكن المهام الشاقة والعظيمة تخضع وتركع عندما تحمل هدفا عظيما وهو السعي لإنقاذ إنسان من المرض أو من العوز أو من الجوع أو من الفقر!!
• أصدقكم القول .. إن جمعية مراكز الأحياء اليوم نموذج عملي لذلك العمل الفريد لقد سخرت الجمعية الشركاء وشراكاتها من الموسرين والتجار الى داعمين، وجعلت المعسرين الفقراء مستفيدين، وجعلت من العاملين وقودًا يدعم ويضحي لتحقيق هذه المهمة النبيلة!!
• مشاعر الفرق الميدانية
• لا أعرف كيف أصف لكم مشاعر فرق الجمعية الميدانية، وقد اجتمع عليهم حر الشمس، وظمأ الصيام.. في عز الظهيرة.. وتحذيرات كورونا التي تهددهم في كل رحلة نحو المحتاجين!!
• لا أخفيك أن ذلك المتطوع يشعر أن أنفاسه لوحدها فقط تعيد إليه لهيب جوفه لأن «الكمام» يعيدها إليه بحرارتها الأصلية، و»القفاز» لا يكاد يمنحك فرصة التحكم في كفيك فهي لا تمسك شيئا إلا خشيت منه.. وعليه!!..
• حتى المستفيد الذي هو الهدف يمثل خوفًا آخر!!.. لقد كانت تجربة صعبة، حين تحاول أن تخدم من لا تصافح!!..حين يكون تواصلك اللفظي بمشاعرك يتنافى مع سلوكك الحركي بتباعدك الجسدي… فالتباعد قيمة صحية يجب المحافظة عليها!!
• دعوني أحكي لكم موقفًا رأيته في أحد المراكز بعيني!!
• في آخر ساعة من الدوام المسائي .. جمع مدير المركز أعضاء العمل والمندوبين وردد سؤاله اليومي المتكرر في كل ليلة.. الذي طالما طرق أذني.. لكني سمعته تلك الليلة بطريقة مختلفة!! ونحن في اليوم العاشر من رمضان!!
السؤال: كم تبقى معكم في كشوفاتكم الإضافية؟ فنحن استنفذنا جميع المسجلين على الرابط الذي تجاوز عددهم ألفي مستفيد؟؟
• يجيب الأول: بقي معي اثنان من أصل مائتين وثمانية وستون مستفيد.. والآخر يقول: بقي معي واحد!!
• وبعفوية لا تكاد تجد لها تفسيرًا إلا استشعار المسؤولية.. من يكون هذا الواحد؟ وهل اتصلتَ عليه؟ قال المتطوّع: إنها تقول إنها امرأة مسنة!! وليس لها أحد ينوب عنها للاستلام ولا وسيلة تحضرها للمركز!!
• قال المدير مباشرة: خذ لها جميع ما يخصها من السلال واذهب إلى مقر سكنها لا ترجع دون أن تصل إليها وتسلمها ما يخصها.. !!!
• كانت استجابة العضو أسرع من كلمات المدير
• يا الله .. والله لم اسمع بينهم متأففًا ولم أشاهد بينهم متذمرًا.. ولم أجد بينهم متكاسلاً.. ولم أبصر بينهم متقاعسًا .. الكل في أهبة الاستعداد الجميع تبنى هذا العمل بحق!! ويشعرك حماسهم صدق تحملهم للمسؤولية!!
• رعشة يد وخفقة فؤاد
• كنت بينهم ومعهم وفي كل ليلة اتفقد نفسي أي فريق هذا !! وأي همة هذه!! وأي ضمير يحمله هؤلاء الشباب بين صدورهم!!
• ارتعشت يدي وهي تحاول أن تكتب عنهم!! وخفق فؤادي وهو يحاول وصف حالهم!! فسمعت صوتا من أعماق أعماق فؤادي!! يقول لي: وما أدراك أن الله تعالى اختارهم لنجدة المحتاج جوار بيته الحرام.. وما أدراك أن الله حمسهم لهذا لصدقٍ بينهم وبين الله!! فزدت على الرعشة بكاء.. ضج به صدري .. فزفرت به أنفاسي .. لكن قلمي حاول ترجمته.. وهل يقوى الحرف أن يترجم ما في الفؤاد..؟!
• هنيئًا لمملكة الإنسانية جهودها.. ومواقف قيادتها.. وهنيًا لمكة أميرها ومبادرته «برا بمكة».. وهنيئًا للجمعية مهمتها النبيلة.. وهنيئًا لمكة شبابها.. ورجالها وأهل اليسار فيها.. فكلهم أبناء مكة أبوهم إبراهيم عليه السلام.. وأمهم هاجر عليها السلام.. العطاء فيهم سجية والبذل فيهم عنوان والتضحية تسير في دمائهم باقية ما بقيت زمزم تروي ضمأ الواردين .