يحرِّكُ الهواءُ الصحونَ المعلَّقةَ في صَدرِ العُشَّةِ لتُصدرَ لحنًا مع الأصيل عندَ كلِّ حركة ، هذا صحنٌ أحمر بزهرة زرقاء في وسطه ، وذاك صحنٌ أزرق بطبْعةٍ صفراء ، تعزفُ في كلِّ المواسمِ ألحانَها عندما ترتطم وعندما تستعيد توازنها ، يُغلَقُ البابُ الغربيُّ فيهرب الهواءُ إلى العتَبَة الجنوبية لتهتزَّ الصحونُ الجنوبية طربًا وتكتفي البعيدةُ بالصمت ، هدأ المكانُ ذات يوم فاختفت الصحونُ من أماكنها ، اصطفَّت فوقَ الجدارِ الطيني أشبهَ بالعرائس وكأنها تحتفل ، تألّقَ كلُّ صحنٍ بلونه مع الشمس وعبقِ المكان ، لم يقوَ الهواءُ على تحريكِها وقد حملت وتثاقلت كالسحاب المحمَّلِ بالغيث ، تتسللُ رائحةُ الهيلِ وسطَ النِّشا الأبيض في الصحون المرصوصة ، قالت للصغير : الصحنُ الأزرق لأمِّ عليٍّ صاحبِك ، انتبه ! لاتضع لسانَك أو إصبعَك فيه ، ضحكَ وجرى والصحن في يديه بينما الشمسُ تكادُ تسقط في بحرِ المغيب ، عادَ ولاتزالُ تنتظره عند الجدار فيما الصمتُ والهدوء يخيَّمان على الحيِّ الصغير ،ناولته الصحنَ الأحمرَ وقالت هذا لأمِّ يحيى ، أسرعْ قبلَ موعدِ الأذان ، وصلَ عندها فرحبت به وأمسكت بطرف سرواله وأجلسته : الإفطار عندي الليلة ، لاتخف من أمِّك ، رائحةُ أكلةٍ شهيَّةٍ جعلته ينسى الصَّحنَ الأخضرَ الثالثَ فوقَ الجدار، جلسَ إلى جوارها واللقمةُ تتبعها اللقمة ، غسلت الصحنَ وناولته وقالت قل لأمِّك أني أجبرتُك على أن تجلسَ عندها ، عاد والصحنُ الأخضرُ لايزال يضربه الهواء ليبرد أكثر ، لم تستطع يدُه الصغيرةُ اللحاقَ به ، احتال عليها كي يحصل عليه ، ناولته وقالت له: غدًا لاتنسَ أن تذهب بالصحنِ الأخضر ، شعرت بألمٍ في مقدمة أصابع يدها اليمنى، ازدادَ الألم مع الوقت حتى اليوم الثاني فلم تحضر الصحون إلى الجدار الطيني عند الغروب ، تُليت على يدِها الملدوغةِ بعضُ الآياتِ وهي ترتجف ، جاء غروبٌ جديد ففاحت رائحة الصحونُ على الجدار ، العقربُ السوداءُ وجدوها على الأرض ميتة .
المشاهدات : 43573
التعليقات: 0