ذات يوم _ وتحديداً أثناء سفري برفقة صديقي إلى خارج المملكة _ طلبنا من السائق أن يصحبنا إلى أحد المطاعم العربية وفعلاً كان لنا مانريد .
كان المكان مكتظاً بالزبائن لدرجة أننا اضطررنا للانتظار وقتاً ليس بالقليل ريثما تخلو طاولة .
لم نشعر بمرور الوقت ؛ نظراً لكثرة الصور التي تزين الجدران حتى أن المتأمل لايكاد يرى فراغاً .
كانت الصور تترجم أجمل معالم السياحة في كل دولة عربية وأشهرها على الإطلاق ، وإلى جانب هذه الصور وضِعَتْ ملصقاتٌ تحملُ أعلامَ تلك الدولِ كرمزٍ للحقوق، وكان لمملكتنا الحبيبة الحظ الوافر منها .
في هذه الأثناء قدِم إلينا رجل مرحِّباً بنا قد تقدم به العمر ، ومن مظهره تبدو عليه سماتُ عاملي المطعم والذي عرّفنا بنفسه _ بعد أن عرف هويتنا _ أنه من العراق وأنه صاحب المكان .
انتهينا من الغداء فطلبنا فاتورة الحساب لنفاجأ بالرفض تماماً ، ومن هنا بدأ الحديث شجونه .
كل هذه المقدمة قد لاتعني لك شيئاً _ عزيزي القارئ _ لولا أن فيضاً من مشاعر الفخر تدفق تلك اللحظة ، وددتُ حينها لو أنني أستطيع نقل حديث ذلك الرجل لكل سعودي وهو يتكلم بنبرة المتيم عن وطن مكث فيه مايقارب العقدين من الزمان ؛ لهذا جندتُ قلمي هذا اليوم لينقل واقعاً عشته ذلك اليوم .
ظل ذلك الرجل يسرد لنا العديد من الأحداث والمواقف التي مر بها في بلادنا من شمالها إلى جنوبها ، ومن شرقها إلى غربها بحكم عمله حتى استقر به المقام في واحدة من مدن شمال المملكة وفي حينها قرر إحضار عائلته .
يقول : تعرضت لحادث سير في إحدى السنوات ، وأصبتُ بكسورٍ بليغة ، مكثتُ على إثرها خمسة أشهر داخل المستشفى أحظى بالرعاية الكاملة كما لو كنت مواطناً ولستُ مقيماً .
لم يكتفِ أصدقائي السعوديون بالسؤال عني فقط ، بل كانوا حاضرين كلما سنحت الفرص لزيارتي .
كانت عائلتي ترفلُ في نعيمٍ تام نظير تعاطف وسخاء الجيران رجالاً ونساء .
هنا قطعتُ حديث الرجل بقولي هذا عملٌ إنساني يتوجب على أيِّ شخص سواء أكنت في السعودية أم في بلد آخر ، فنظر إليّ والابتسامة تملأُ وجهه ولم يعلق على مداخلتي إطلاقًا .
غادرتُ المستشفى ( والحديث هنا مازال للعم كاظم ) فوجدتُ نفسي محاطاً بأهلٍ ليسوا أهلي وقد أخجلوني بكرمٍ فترة بقائي بينهم لم أرَ له مثيلاً إلى يومنا هذا ، وعندما هممتُ بالعودة إلى بلدي إذا بهم يغدقونني بما يثقل سداده من المال والهدايا .
حينها عاد للرد على كلامي قائلاً : صدقت ، ربما أجد التفاف الناس حولي في كل بلد ، ولكن هل كنتُ سأجد ذلك الاهتمام وتلك الرعاية في بلدٍ آخر دون أن أدفع المقابل ؟!
هنا صَمَتَ الرجل قليلاً ليعاود الحديث قائلاً :
( إنها السعودية ).
بلد الخير والعطاء ، بلد العدل ، بلد الأمن والأمان .
إنني أتابع أخبارها بلهفة ، وآخر مرة زرتها للحج في بداية فترة حكم الملك عبدالله _ رحمه الله .
كنت أشاهد ذلك التطور العملاق ، وهاهي اليوم في سباق مع الزمن بقيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان_ حفظهما الله _ حتى صارت حديث العالم .
( إنها السعودية ).
رغم الصراعات من حولها ، وبالرغم من كثرة الثرثرة إلا أنها لم تكترث لما يشاع ، فبالنسبة لها مجرد جعجعة لايستحق عناء الرد .
( إنها السعودية ).
كفلت حقوق أبنائها سواء في الداخل أو الخارج ؛ لذا أنتم شعب عظيم ، لن تستطيع قوى العالم مجتمعة تفكيك وحدتكم .
(نحبكم ونحب بلدكم) .
كان كلام العم واقعاً مليئاً بالفخر والاعتزاز لهذا الوطن الغالي وكثرٌ من هم بمثل ولائه ومحبته .
ويبقى هذا الإرث الوطني الكبير في السمو ، فنحن في مهمة وطنية عظيمة يجب على كل سعودي في الداخل والخارج إكمال صورتها وإبراز مواطنته الحقة ، فالمهمة ليست صعبة ولكن تحتاج استحضار إرثنا العظيم الذي ذكرني به العم كاظم .
( 92 ) وكل عام والوطن بخير .
بقلم / محمد شداد حكمي
سرد رائع ايها الجميل وحديث لا يمل عن البلد الاجمل والاعظم على هذه البسيطة
وفقك الله
قلم جميل يظتحق الاستمرار والمتابعة
ما شاء الله تبارك الله ، مقال رائع وقصة أروع تقشعر منها الأبدان اعترافا بفضل هذه البلاد الطاهرة على القاصي والداني