في المقال السابق كنا في سيرة جهابذة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومواقفهم النادرة وتضحياتهم العظيمة ذوداً عن الدين والاخلاق الحسنة والرجولة سجلها التاريخ بمداد ٍ من ذهب وهانحن نتواصل مع مواقف أخرى نادرة ومشرفة لأفذاذ ٍ آخرين من الصحب الكرام لعلنا نسعد بها أنفسنا وننتفع بها في دنيانا وآخرانا بتوفيق من الله تعالى وعون :
الصحابي الجليل يوسف هذه الأمة جرير بن عبدالله بن جابر البجلي يقول قدمت المدينة
فلما دنوت منها انخلت راحلتي وحللت عيبتي (وهي مايجمع بها أغراضه وحاجته) ولبست حلتي(ملابسه) ودخلت المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ورمقني الناس بعيونهم فظننت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرني وقال عني شيئاً فسألت جليسي هل ذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال عني شيئاً ؟ قال نعم بل أحسن الذكر حيث قال صلى الله عليه وسلم وهو يخطب سيدخل عليكم من هذا الفج او هذا الباب الآن خير يمن وعلى وجهه مسحت ملك فحمدت الله عز وجل على ما أبلاني ووفقني .
كان مع عمررضي الله عنهما في مجلس فوجد عمر ريحاً فقال عزمت على صاحب هذه الريح أن يقوم ويتوضأ ، فقال جرير ياأمير المؤمنين هل عزمت على القوم جميعاً بالوضوء وذلك خوفاًمن إحراج صاحب الريح فقال عمر لجرير رحمك الله نعم السيد كنت في الجاهلية ونعم السيد أنت في الإسلام .
ويروى أن عمر قال لجرير عند غزو المسلمين للعراق وقتال العجم سر بقومك وقاتل وما غلبت عليه فلك ربعه ، فلما جمعت غنائم جلولاء إدعى جرير أن له ربع ذلك كله فكتب سعد بن أبي وقاص إلى عمر رضي الله عنه بذلك فقال عمر صدق جريرقد قلت له ، وقال فإن شاء أن يكون قتاله هو وقومه على جعل فأعطوه جعله وإن يكن قاتل لله ولدينه وجنته فهورجل من المسلمين له مالهم وعليه ماعليهم
فلما أخبر سعد جريراً بما قال عمر في كتابه قال جرير صدق أمير المؤمنين لا حاجة لي بذلك انا رجل من المسلمين .
بعث النبي صلى الله عليه وسلم جيشاً فيهم رجل يقال له (حدير) وكانت قد اصابتهم سنة من قلة الزاد والطعام ، وزود رسول الله صلى الله عليه وسلم الغزاة بطعام ونسي حديراً ولم يزوده بشيء ، فخرج حدير مع الركب محتسباً وصابراً وهو يردد (لا إله إلا الله والله اكبر والحمدلله وسبحان الله ولاحول ولاقوة الا بالله)ويقول نعم الزاد هو يارب ويرددها وهو يسير في أخر الركب .
وجاء جبريل عليه السلام الي النبي صلى الله عليه وسلم وقال له إن ربي أرسلني إليك يخبرك انك زودت أصحابك ونسيت تزود حديراً وهو في أخر الركب ويقول :لا إله إلا الله والله اكبر والحمدلله وسبحان الله ولا حول ولا قوة الا بالله ويقول نعم الزاد هو يارب قال وكلامه ذلك له نور يوم القيامة مابين السماء والأرض فابعث له بزاد .
فدعا النبي رجلاً وأعطاه زاداً لحدير وأمره أن يحفظ مايقول اذا اتاه واذا دفع إليه الزاد وإن يقول له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئك السلام ورحمة الله ويخبرك انه نسي تزويدك وان ربي عزوجل ارسل جبريل يذكرني بك فذكرني واخبرني مكانك .
فلحق به الرجل فوجده يردد نفس الذكر ويقول نعم الزاد هو يارب فلما دنا منه أخبره بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
فحمد الله واثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال الحمدلله رب العالمين ذكرني ربي من فوق سبع سموات ومن فوق عرشه ورحم جوعي وضعفي ، وقال يارب كما لم تنس حديراً فاجعل حديرا لاينساك .
فلما رجع الرجل الي النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بما قال حدير وما سمع منه قال صلى الله عليه وسلم للرجل أما إنك لو رفعت راسك الي السماء لرأيت لكلامه ذلك نوراً ساطعاً مابين السماء والأرض .
الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أسلم وعمره سبع عشرة سنة كان ثالث ثلاثة في الاسلام وأول من رمى بسهم في سبيل الله وشهد جميع المشاهد والغزوات مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو احد الستة الذين رشحهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه لشورى الخلافة من بعده ، ولم يفدي النبي بأبويه سوى سعد حيث قال يوم أحد أرمى سعد فداك أبي وأمي ، قال رضي الله عنه لقد رأيتنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومالناطعام نأكله إلاالحبلة وورق السمروالطلح ويقول حتى أن أحدنا ليضع كما تضع الشاة لا خلط له من قل الزاد وذات اليد .
وقال عمر لإبنه عبدالله إذا قال لك سعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً فلا تسأل عنه غيره .
ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عن سعد هذا خالي فليرني أمرؤ خاله .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد اللهم سدد رميته وأجب دعوته .
وقد دعا سعد لنفسه فقال يارب إن لي بنين صغار فأخر عني الموت حتى يبلغوا فأخر عنه الموت عشرين سنة .
وفي دعوته على رجل من بني عبس بالعراق عندما شهد على سعد بأنه لا يعدل بالرعية ولايقسم بالسوية ولايحسن الصلاة فقيل لسعد عاقبه فقال بل ادعو عليه فقال اللهم أطل عمره وأفتنه وقد أصابت دعوته ورؤي ذلك الرجل وقد شاخ وتهدلت حواجبه على عينيه وهو يلاحق النساء في ازقة بلده واذا كلمه احد قال شيخ مفتون أصابته دعوة سعد .
الصحابي الجليل عياض بن غنم رضي الله عنه إشتهر بأنه سمحاً فكان يعطي مايملك وقد ولاه ابوعبيدة رضي الله عنه عمله عندما حضرته الوفاة فكان على حمص من أرض الشام وقد انفذ عمر بن الخطاب رضي الله عنه
ولايته فأقره عليها وقد كُلم عمر في بذله المال وقالوا يبذر المال فقال إن سماحه فيما في يده
أما مال الله تعالى فلم يعط منه شيئاً ولا اعزل من ولاه ابوعبيدة .
وقد فتحت على يدي عياض الجزيرة والرقة وحران والرهاء صلحاً .
ويقال قدم عليه عندما ولي رهط من أهل بيته واقاربه يطلبون الإعطيات عندماسمعوا بولايته
فاستقبلهم احسن إستقبال وأنزلهم وأكرمهم ومكثوا اياماً وألحوا عليه بالوصل وشكوا السفر ومشقته لنيل العطايا منه وكانوا فيما يروى خمسة فأعطى كل واحد عشرة دنانير
فغضبوا وردوها عليه وسبوه ، فقال لهم لا إنكر قرابتكم ولا حقكم في الوصل ولا المشقة وبعد شقتكم ، لكن والله ماحصلت على ما أعطيتكم إلا ببيع خادمي وحاجتي التي لا استغني عنها فأعذروني فقالوا والله لانعذرك وانت تملك نصف الشام وتعطينا مالا يبلغنا أهلنا فقال أفتأمرونني أن اسرق مال الله وأعطيكموه فوالله لأن أشق بالمنشار أحب الي من أن أخون فلساً او اتعدى عليه وفي النهاية تركوه ومضوا وهم لإيمين له ومات وهو لا مال له رضي الله عنه .
ورضي الله عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
كتبه/بقيش سليمان الشعباني
الخرج ١٤٤٤/٥/٢٩ هجرية