بسم الله الرحمن الرحيم
الدنيا مدرسة والانسان دارس والدروس متنوعة ومتباينة بين السهولة والصعوبة
والجودةوالرداءةوالنافع والضار والمحزن والساروالدارس المتلقي ينهل من دروسها حسب إمكاناته وحاجاته ورغباته ونيته وتفكيره واتجاهه وهواه ونحسه وتوفيقه فلكل درس دارس ولكل جواد فارس ولكل فسيلة غارس ولكل مهنة ممارس ولكل باب حارس(كل ميسر لما خلق له)ليس هذا فحسب بل المنهج عميق وغوره سحيق وسبره دقيق ومكونه رقيق والمطلب التوفيق فإمايكون عدو أوصديق فالعدو الجهل والصديق العلم وكلاهما متوفر لمن اراد هذا اوذاك فبالرغم من أن المدرسة واحدة الا إن مناهجها متضادة لكن الفرص لمن إمتدت بهم الاعمار متساوية والإختيار متاح فخاسر ورابح وطالح وصالح ومع التسليم بتفاوت البشر فاللجميع عقول يعقلون بها وألسن يتكلمون بها وأعين يبصرون بها وآذان يسمعون بها وأيد يبطشون بها وارجل يمشون بها قال تعالى( فإنها لاتعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) الاية ، الاقلام جفت والصحف طويت والسماء رفعت والجبال نصبت والارض سطحت وفيها السبل مهيأة والطرق ممهدة فإما طريق رشد سالك وإما طريق يؤدي الي المهالك قال تعالى(وهديناه النجدين )الاية ومع تعدد السبل فكل مقومات حرية الاختيار متاحة فالأمن وارف والرزق طارف والعيش رغيد والانفس تقول هل من مزيد والله كافل أرزاق العبيد الشقي منهم والسعيد ثم أن نتائج المدرسة الشاملة ليست كلها كما ينبغي بل يعتريها مايعتريها من النقص والزيادة والتبعية والقيادة والمماحكة والريادة فناجح بإمتياز أوراسب بلاء إنجاز وبينهما الجيد والاجودأو خارج بوجه اسود بدون رصيد ولارأي سديد ولا علم رشيد ، ومن هنا يكون التفاوت بين المنهجين الرئيسيين للحياة( الدنيا والدين) حسب المعطيات وما يقدّرللإنسان بموجب سعيه فإن ركن للدنيا ونسي الاخرة فقد جمع بين آفتين لا فكاك منهما آفة الدنيا الموجعة وآفة الدين المفجعة .
فآفة الدنيا الموجعة هينة وعمرها قصير وعلاجهايسير لمن لم يطوّل فيها المسير ولم يمت به الضمير ورضي منها باليسير فهذا ربما يعود لسكة النجاح ويلوّح بعلم الفلاح ويهتدي لطريق الصلاح فيلحق بالركب بعد طول إنبطاح وينذر نفسه للصلاح وإلإصلاح الذي إرتضاه بعد إلحاح لعله يجد لما إقترفه في حياته ماح .
وأما آفة الدين المفجعة فهي حقاً المميته فليس لهاطب ولاعلاج ولاينفع معهاتوسل ولا احتجاج ولاسبيل الي مخراج رغم تعدد وسعة الفجاج ففيها خسارة الدرس والنتيجة في يوم ٍ رب الانسان حجيجه .
غير انه كصريع آفة الدنيا ربما لو ارعوى وعاد وعمل ليوم المعاد فباب العودة والتوبة مفتوح قبل الغرغرة ونزع الروح .
بقي الكلام عن من كان موفقاً ومجتهداً ومتميزاً منذ دخوله معترك الدراسة في مدرسة الحياة
فهذا الكلام عنه لايمل والاشادة به لاتقل ومن إقتدى به لايذل فهو خير قدوة واسوة لمن بعده كما كان هو مقتدياً ومتأسياً بمن نجحوا وتميزوا في منهجي الحياة فعاشوا للدين وسخروا لها الدنيا وأخذوا من كل ٍ بنصيب مما أحل الله تعالى قال الله تعالى (وأبتغ فيما أتاك الله الدار الأخرة ولاتنس نصيبك من الدنيا) الاية وقال النبي صلى الله عليه وسلم بحق الشاب ينشأ على طاعة الله تعالى منذ نعومة أظفاره (يعجب الله تعالى لشاب ليس له صبوة)أوكما قال صلى الله عليه وسلم والصبوة تعني اتيان المعصية في مرحلة الصبا
ومن هنا يتبين للقارئ أن أعظم وأجمل وأكمل مدرسة في الحياة هي مدرسة الاسلام ذات الشقين كما اسلفت دنيا ودين وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم المال الصالح مع الرجل الصالح فقال(نعم المال الصالح بيد الرجل الصالح) فالمال مال الله استخلف عليه صاحبه فمتى ما ادى حقوقه وصرفه في مصارفه الواجبة والمستحبة والمباحة فقد أدرك النعم الذي جاء في الحديث فلا إفراط ولاتفريط ولاشح ولا إسراف فالصلاح المنشود صلاح الدين والحال والمال والخلق والولد .
ومصداق ذلك كله كلام المولى عز وجل قال تعالى(والذين اذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما)الاية وقال تعالى(إنه لايحب المسرفين)الاية والاسراف هنا يعني تجاوز الحد في كل الامور في الانفاق وفي إحلال الحرام وتحريم الحلال .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لكعب بن مالك عندما اراد ان ينخلع من ماله فرحة بتوبة الله عليه من تخلفه عن غزوة تبوك (إمسك عليك بعض مالك فإنه خير لك) .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن ابي وقاص رضي الله عنه عندما اراد ان يتصدق بماله(الثلث والثلث كثير إنك إن تترك ورثتك أغنياءخيرمن أن تتركهم عالة يتكففون الناس)
وغير هذا الكثير في مدرسة الحياة الشاملة في الاسلام التي لم تترك شاردة ولاواردة من طرق الخير والفضل والصلاح الا دلت عليه دلالة واضحة وصريحة ونزيهة ورغبت فيه وسهّلت السبل للوصول الى الكمال فيه .
ولم تترك مايقابل ذلك من طرق الشر والفساد والنشاز الا بينته وحذرت منه وأوضحت بشكل جلي تبعاته وعواقبه الوخيمة على الفرد والاسرة والمجتمع .
جعلنا الله تعالى جميعاً ممن تعلم من مدرسة الحياة ماينفعه في حياته الفانية والباقية وتجنب مايضره في هذه وتلك .
والحمدلله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
كتبه/بقيش سليمان الشعباني
الخرج ١٤٤٥/٦/١٩ هه