الغيرة هذا الشعور العميق الذي يتغلغل في النفس، هو جزء طبيعي من تركيبة الإنسان. يكاد لا يوجد شخص لم يعش لحظة شعر فيها بالغيرة تجاه أحدهم، سواء كان بسبب نجاح مهني، أو علاقات اجتماعية، أو حتى صفات شخصية نود لو كانت لنا. لكن الغيرة كغيرها من المشاعر، ليست بالأمر السلبي بحد ذاتها؛ هي تعبير إنساني تلقائي وطبيعي ينشأ نتيجة للمقارنة أو الإحساس بالنقص.
ما يجعل الغيرة مشكلة هو السلوك الذي قد يليها. فعندما تتحول الغيرة إلى حسد، أو أذية، أو سعي للانتقام، تصبح غيرتها سامة، تؤذي صاحبها قبل أن تؤذي الآخرين. هنا يأتي التحدي الحقيقي، وهو كيفية التعامل مع هذا الشعور دون الانجراف نحو تصرفات قد تضر بالعلاقات وتضر بصورتنا الذاتية.
أول خطوة في هذا المسار تبدأ بالوعي. على الإنسان أن يعترف بغيرته دون أن يشعر بالذنب، بل عليه أن يسأل نفسه: لماذا أشعر بالغيرة؟ ماذا في هذا الشخص أو الشيء يجذبني أو يحرك في داخلي رغبة قوية؟ هذه الأسئلة ليست سهلة، لكنها تفتح الأبواب نحو فهم الذات بعمق. قد يكتشف الإنسان أن غيرته نابعة من شعور بنقص معين، أو رغبة في تحسين جانب ما من حياته.
حين يبدأ الشخص في تحليل مشاعره وفهم جذور غيرته، يتحول هذا الشعور إلى دافع قوي للعمل على تحسين ذاته بدلاً من توجيهه نحو الآخرين. ربما تصبح الغيرة نقطة تحول، إذ تعكس له طموحاته وتطلعاته، وتساعده على التركيز على ذاته وتطوير جوانب من شخصيته أو مهاراته لم يكن يوليها الاهتمام الكافي.
في النهاية، الغيرة ليست عيباً أو ضعفاً، بل هي مؤشر يدل على رغبة الإنسان في التطور والتفوق. المهم هو ألا نسمح لها بأن تجرنا إلى تصرفات نندم عليها لاحقاً، بل أن نستخدمها كبوصلة ترشدنا نحو النمو الذاتي والتحسين المستمر.