يُعدُّ اللسان من أعظم نعم الله على الإنسان، فهو أداة التعبير ووسيلة التواصل، ولكنه في ذات الوقت مصدرٌ للخير والشر، وقد يكون بابًا للجنة أو طريقًا إلى النار. لذا، كان حفظ اللسان من أبرز دلائل الورع والتقوى، فهو لا يعكس فقط خشية الله، بل يُظهر أيضًا سمو الأخلاق ونقاء النفس.
جاء في الحديث الشريف عن النبي ﷺ: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت” (رواه البخاري ومسلم). هذا التوجيه النبوي يضع قاعدة ذهبية لصون اللسان، إذ يُحث المؤمن على التفكر في كلامه قبل أن ينطق به، ليكون الكلام إمّا خيرًا ومثمرًا، أو يصمت. كثيرٌ من المعاصي تنشأ من الكلام، مثل الغيبة والنميمة والكذب والبهتان. إنَّ الكلمة الواحدة قد تُشعل فتيل فتنة أو تَكسر قلبًا، لذا فإنَّ صيانة اللسان تُعدُّ حمايةً للنفس من الوقوع في الزلل.
الكلمة الطيبة تُصلح القلوب وتؤلّف بين النفوس، بينما الكلمة الجارحة تُفرّق الأحباب وتُفسد العلاقات. قال تعالى: “وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ” (الإسراء: 53). الصمت عند الحاجة وعدم الانسياق وراء الجدال العقيم يُبرز رزانة الشخص وحكمته. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “إذا تمَّ العقل نقص الكلام”.
التفكر قبل الكلام ضرورةٌ ملحّة، فلا ينبغي للإنسان أن ينطق إلا بما يرضي الله ويفيد الآخرين. والتعوّد على الذكر والدعاء يجعل اللسان رطبًا بذكر الله، فيُبعد صاحبه عن الكلام الذي لا فائدة فيه. الصحبة الصالحة أيضًا تعين الإنسان على تجنّب الغيبة والنميمة، بينما الاستغفار عند الخطأ هو مفتاحٌ لإصلاح ما قد يزلّ فيه اللسان.
إنَّ حفظ اللسان عبادةٌ عظيمة وأشدُّ مظاهر الورع، وهي علامةٌ على الإيمان العميق والتقوى الحقة. علينا جميعًا أن نستشعر مسؤولية الكلمة، وأن نستخدم هذه النعمة في طاعة الله وخدمة الإنسانية. فلنكن من الذين يُقال عنهم يوم القيامة: “سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار” (الرعد: 24).
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين يحفظون ألسنتهم عن كل سوء، وأن يرزقنا الكلمة الطيبة التي ترضي الله رب العالمين ورسوله صل الله عليه وسلم .