في مجتمعي فقط!
ثقافة الرأي فيه هو أن تكون صاحب رأي يعني أن تكون صاحب سلطة ومنصب! لابد وأن تكون معلما ليقبل رأيك، ولا يهم اطلاعك أو اهتمامك بثقافة العالم وتقدم الحضارات، وإذ أننا في عصر الغوغلة الآن؛ وحتى لا يهم أن تكون صاحب قراءة للأسف! بل يمكنك الاكتفاء بالكتب الدراسية فقط.
والغريب في الأمر إن تحدث أحد من غير تلك الفئة المذكورة يدعونه بالتثقف والتعالم!
بل يتطبّلون مع من يخالف الرأي الجديد، وتجدهم يقللون من قيمة الشخص الذي عرض رأيه؛ أساسا (( لا يستطيعون التجدد في أي حال من الأحوال لأنهم يفتقرون سبل التجدد ويريدون الخلف كالسلف دون تغيير )) فيا للعار! العالم في تجدد الحضارات ونحن في التثبط والتطبل؟!
وحسن الرأي في نظري هو ذلك الذي يظهر الجانبين – النافع والضار – معا. وأذكر قبيل أيام عرض أحدهم رأيه في إحدى مجموعات ” واتس أب ” حيث عرض كلا الجانبين، الجانب الحسن والجانب السيء. ولكن بعد برهة من عرض رأيه، هجموا عليه من في تلك المجموعة بوابل من اللوم والعتاب إلى حد التنقيص! حيث قال البعض: (( من نحن حتى نتكلم في هذه الأمور ونعرض آرائنا حول ذلك؟! )).
لأنهم يرون أنفسهم من العامة، والعامة في نظرهم دون رأي، بل الرأي لصاحب الكلمة والمجلس فقط لا غير! بالله عليكم أليس الذي يلقي كلمته في ذلك المجلس بشر مثلنا؟! أم أنه ملاك من السماء؟! إن كان بشرًا مثلنا فإنني أرى أن من حق الجميع أن يعرض رأيه، سواء أكان مثقف أم غير مثقف، عالم أم جاهل، عاقل أم مجنون، صالح أم طالح، كبير أو صغير، رجل أو امرأة، أو حتى مسلم أم كافر! لأننا في المقام الأول بشر قبل تلك المسميات؛ ولا ننسى أن ” الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها أخذها “. كما أن عرض الرأي لا يكون للجهات والهيئات والمؤسسات فقط! بل قد يكون بين الأفراد كذلك.
وحين يعرض أحدهم رأيه هذا لا يعني أنه على صواب والباقون على خطأ! وحين يأتي برأي مغاير لا يعني أنه متخلف أيضا! وتعدد الآراء مما تفيد التجدد وتستدعي الجودة.
ولكم بعض القصص التي أرى موضع ذكرها هنا:
– قصة صحابي في غزوة بدر الكبرى حيث عرض رأيه على النبي (( فأشار عليه الحباب بن المنذر أن يتقدم فينزل على أقرب ماء من العدو حتى يصنع المسلمون حياضًا يجمعون فيها الماء ﻷنفسهم، ويغورون الآبار فيبقى العدو ولا ماء له، ففعل )) ونستقي من هذه القصة فطنة النبي – صلى الله عليه وسلم – والأخذ برأي الصحابي بعد أن أدرك الغرض من رأيه، رغم أن الذي عرض عليه يوحى إليه من فوق سبع سماوات! لكنه لم يغتر ولم يمنع ذلك من عرض رأيه – رضي الله عنه – لأنه علم أن القبول والرفض أمر عائد إلى رسول الله وأن عليه إبداء الرأي.
– قصة أخرى تحكى أن رجلا أراد السفر، وفي الطريق وبسبب السرعة الزائدة فقد السيطرة على سيارته، ومع الأسف فقد إحدى إطارات السيارة فقد انفصل عنها تماما. وليست مشكله فالبديل موجود ولكنه فقد المسامير التي يربط بها الإطار ولم يعرف كيف يتصرف !
وتوقف برهة يفكر، فشاهد على مقربة منه مبنى كتب عليه ( مستشفى الصحه النفسيه ) يطل منه رجل شاهد ماحدث بالتفصيل. فذهب صاحب المشكله إلى هذا الرجل وقال له: أعتقد أنك شاهدت ما حدث؟
– قال الرجل: نعم وبالتفصيل.
– إذا ما الحل برأيك ؟
– قال الرجل: الحل بسيط ” خذ مسمار من كل إطار من الإطارات الأخرى واربط به الإطار الرابع” أي: ( الذي فقد مساميره )
أعجب الرجل بالفكرة وشكره عليها ثم سأله: أأنت طبيب هنا؟
– قال لا أنا نزيل!!
– فتعجب الرجل وقال باستحياء: يعني مجنون؟؟
– فقال نعم مجنون ولكني لست غبيا!.
انظروا كيف أفاد وهو مجنون! إذا إن كان رأي المجنون قد يفيد ، فمن غير المعقول أن رأي العاقل لا يفيد! وعندما يأتي أحدهم برأي جديد يخالف الشائع ينبغي ألا يلزم الآخرين وألا يتمسك برأيه وألا يقول (( ما أريكم إلا ما أرى )) كما ألا يظن أن رأيه هو الصواب لأن ذلك فرض وليس عرض!
بل لابد وأن يكون رأيه قابل للتغيير، قابل للقبول أو الرفض.
إذًا خلاصة القول بأن ” الآراء تُعرض ولا تُفرض ” وفرض الرأي طمس واستعباد؛ أما عرض الرأي وعي وادارك وبحث عن التجدد وليس غباء وتخلف كما يدّعي بعض الحمقى.
لذا أقول:
أيها الآباء عذرًا… لا نريد أن نكون امعيون! لا تجعلوا منّا عبيدًا فزمن العبودية قد ولى وانقضى (( نريد أن نخلق فن، أن نرسي ثقافة بلا سخافة )) وقبول الرأي ليس بالأمر المهم بل الأمر الأهم هو: نريد أن نعيش كباقي المجتمعات نعبر عما بداخلنا؛ نريد أن تكون لآراء الشباب آذان صاغية سواء أكان من ذكر أم أنثى، لقد سئمنا من التحدث إلى مقاعد شاغرة! نريد أن تكون لآرائنا احترام وتقدير، سئمنا من سماع ” ليس من عاداتنا وتقاليدنا ” فدعونا نخرق العادات والتقاليد؛ دعونا نعيش شبابنا، بأفكارنا، بآرائنا؛ للرقي وللنهوض وليس لشيء آخر.
بقلم : فيصل بن كريم