تبدأ غداً فعاليات مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار في نسختها السادسة الذي يُعقد خلال الفترة من 25 الى 27 أكتوبر الجاري، بمركز الملك عبد العزيز للمؤتمرات بالرياض، بحضور أكثر من 5000 ضيف دولي و350 متحدثاً دولياً من كافة القطاعات.
ولعل أول ما يلفت النظر أنَّ منظم المؤتمر هو مؤسسة مبادرة مستقبل الاستثمار، وهي مؤسسة عالمية (غير ربحية) ذات ذراع استثمارية تم تأسيسها من أجل مستقبل الإنسانية، الذي تركز فيه المؤسسة على أولويات: الاستدامة والصحة والتعليم والذكاء الاصطناعي، وهو ما يجسد دور القطاع غير الربحي في صناعة التنمية، حيث تستقطب المؤسسة العقول النيّرة من صناع السياسات ورجال الأعمال والمستثمرين والمتميزين من القادة الشباب من مختلف دول العالم لتقديم أفكار لحل المشكلات التي تواجه المجتمعات البشرية ومناقشة الأدوار المحورية للاستدامة والصحة والتعليم والذكاء الاصطناعي في تشكيل النظام العالمي في ظل حزمة من التحديات القائمة.
فجاء عنوان المؤتمر: “الاستثمار في الإنسانية: تمكين النظام العالمي الجديد” مجسداً للأهداف التى تتطلع المؤسسة إلى تحقيقها.
لقد أدركت معظم القطاعات الواعدة الدور الفاعل لأبعاد الاستدامة (الاجتماعي والاقتصادي والبيئي) في تحريك النمو الاقتصادي، فعملت على صهرها في بوتقة مخرجاتها التنموية، من خلال تطبيق حزمة من الأنظمة التشغيلية التي تعزز الممارسات الصديقة للبيئة والدافعة للازدهار الاقتصادي، بما يدعم حماية حقوق الأجيال القادمة في الموارد الطبيعية والمكتسبات البيئية والاجتماعية المختلفة وصولاً الى تحقيق التنمية المستدامة.
ولعل ما تميز به النظام البيئي السعودي يعتبر أحد محفزات استشراف المستقبل في ظل المبادرة الخضراء التي أطلقها سمو ولي العهد والتي تنطلق نسختها الثانية في شرم الشيخ في السابع من نوفمبر القادم، لعل ذلك أحد المُمكّنات التي تحفز مختلف القطاعات التنموية الواعدة لتطبيق المزيد من الخطط التي تستشرف آفاق الاستدامة، بما يسرّع من تحقيق أهدافها الآنية والمستقبلية.
وقد كان نموذج القطاع السياحي وحرصه على دمج البُعد البيئي فيه وتناغمه معه، ونجاح منظومته في استقطاب وتعزيز الاستثمارات السياحية وإثراء تجاربها لتسريع النمو الاقتصادي وفق الاستراتيجية الوطنية للسياحة المنبثقة من رؤية المملكة 2030، دليلاً على الأثر المحوري للاستدامة في تحقيق التنمية الاقتصادية.
ولعل جمعية البر بجدة والتي تعتبر نموذجاً رائداً للقطاع غير الربحي كانت من أوائل الجمعيات التي أدركت أهمية الاستدامة في تحقيق أهدافها التنموية والمجتمعية، منطلقة من حرصها على تمكين العمل الخيري وتيسير أداء الأعمال فيه عبر حزمة من التحولات التي لامست برامج الرؤية التنموية في التحول الرقمي وتنمية الموارد المالية والبشرية وتحقيق جودة الحياة والصحة والإسكان وغيرها من البرامج التي يجمعها قاسم واحد هو الاستدامة والذي انتقلت من خلاله الجمعية من الرعوية الى التمكين وأصبحت كياناً اقتصادياً يقدم خدماته المجتمعية ويساهم مع منظومة القطاع غير الربحي في تعزيز التنمية وتسريع النمو الاقتصادي.
إن “أنسنة” الاستدامة في المجتمعات المدنية وتلمُّسها لأولويات المستقبل الجماعي هو -وفق الدراسات السوسيولوجية- أحد مقومات الارتقاء الحضاري الذي يلامس متطلبات حقوق الإنسان في ظل التحديات القائمة.
*المستشار الإعلامي لجمعية البر بجدة