أرضُ المملكة تَحْتَضِنُ قبلةَ أهل الإسلام، ومَأْرِزَ الإيمان، منها انطلق النُّورُ إلى فجاج الأرض، فيها دُوِّنتْ مآثرُ العرب وتاريخهم، وبِها نُظِمَتْ قصائدُهم الخالدات، ومعلَّقاتهم الباقيات؛ نَعَمْ على ثَرى هذه الأرض ظَهَرَ تاريخُ العرب، ونَزَلَ الكتابُ بِلغتهم، وبُعِثَ رسولٌ منهم إيذانًا بميلاد تاريخٍ ومجدٍ، مَلأ الدنيا نوراً وبهاء، وشُعاعًا وضياءً.
وهكذا، وعلى ثرى هذه الأرض قبل ثلاثة قرون، بَدَأَتْ مسيرةُ الوحدة العربية الكبرى بإرادة الله، ثُمَّ بِهِمَّة الإمام محمد بن سعود، وعزيمةِ الرِّجال الأوفياء؛ حيث أَسَّسَ الدولةَ السعوديةَ الأولى، وجَذَّر تاريخها، ونَقّش حضارتها، وبنى دعائمها على الكتاب والسنة، ورَسَمَ معالِمَها على النخوة والشهامة، والأصالة والعراقة، فَتَبَدَّلَ الخوفُ بالأمن، والجهلُ بالعلم، والظّلامُ بالنور؛ فَهِي رحلةُ أعظمِ وحدةٍ شهدتْها الجزيرةُ العربية، حاولَ الأعداءُ عرقلتَها مرَّتين، ولكن أبى الله إلا أن يتمَّ نوره؛ فلا توجد على مرِّ التاريخ دولةٌ سَقَطَتْ مرَّتين ثم نهضت الثالثة سوى السعودية العظمى، وقد تحقَّق ذلك بفضلِ ربِّ الأنام، ثم بِجُهد قادتها العظام، ورجالها الكرام.
وها نحن نعيش اليوم في عهدِ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز أيَّده الله، وسموِّ وليِّ عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان حفظه الله؛ هذا العهد الميمون الذي أضحتْ معه المملكة تسابق الزمنَ في حيازة المجد من أطرافه، والعلياء من أقطارها، وتحقِّقُ التميز والريادة في المحافل كلها؛ وتواصل المسيرة برؤية ثاقبة على الأصعدة كلها.
وإنَّ من أهمِّ المجالات التي برزتْ فيها مسيرةُ تطوُّر السعودية العظمى: مجالَ تمكين المرأة؛ حيث حظيت المرأةُ السعودية في هذا العهد الزاهر بِدَعْمٍ كبير، تشريعًا وتنفيذًا، وتوظيفًا وتمكينًا؛ فهي حاضرةٌ في صدارة الأهداف الإستراتيجية للرؤية الوطنية 2030، حيث خُصِّص فيها برامج عديدة، ومبادرات كثيرة، تُحَقِّق تطلّعات القيادة الرشيدة، وآمالها النبيلة في تمكين المرأة، وتحويل هذا الهدف إلى واقع ملموس، وشاهد ومشهود؛ كما تَمَّ إصدارُ عدد من الأنظمة واللوائح التي تُعزِّز مكانة المرأة، وتطوِّر قدراتها، وتمنحها فرصةَ خدمة دينها ووطنها، ومليكها وقيادتها، وبيتها ومجتمعها، بما يتلاءم مع قدراتها، ويتوافق مع إمكانياتها.
وقد تجلَّتْ نتائجُ هذا الدعم اللامحدود الذي حظيتْ به المرأةُ السعودية في حضورها الفاعل في شتى مجالات العمل والمناصب العليا محليًّا ودوليًّا؛ حيث ساهمت المرأة السعودية بعطاءاتها وأفكارها في دفع عجلة التنمية الوطنية بجانب شقائقها الرجال، وأصبحتْ شريكةً لهم في النجاح، محقِّقةً قفزات تاريخية تنوَّعت مجالاتها علمياً واقتصادياً واجتماعياً، فما من مجال اقتحمتْه إلا وأثبتت فيه مثابرتها، وجدارتها، وتفوقها، وبراعتها في أداء مهامها باحتراف وابتكار، وكفاءة واقتدار، حتى أصبح إحصاءُ مكاسبها في هذا العهد الزاهر شيئًا عسيرًا، بل مستحيلا.
وهكذا جاء الاحتفالُ بيوم التأسيس للكشف عن عمق المسيرة التاريخية التي تُمَيِّزنا، وصلابة التاريخ الذي صنعه قادتُنا؛ ليكون هذا اليوم فرصةً للتعبير عن الاعتزاز بالقوة والصمود، والرفعة والصعود، وعدم الخنوع والانكسار، أو التقهقر والانحدار؛ نعم، إنه يوم التأسيس، يوم بدينا، يومٌ فيه عهد يتجدد، وتاريخ يتحدث، وحاضر يشهد، ومستقبل يشرق بإذن الله.
وبهذه المناسبة السعيدة وبكلِّ حبٍّ وافتخار، وشَغَفٍ واعتزاز أُبَارِك قائدَ الوطن، ووليَّ عهده البطل، وشعبه الشَّهْم بعيد ميلاد الوطن العظيم، دمتِ يا مملكة العز والفخر والإباء، ودامتْ رايتُك مرفوعةً تُرَفْرِف في السماء؛ وعَهْدُنا لكلِّ ذَرَّة من ترابك على الحماية والرِّعاية والفداء؛ وفخرُنا بكِ وبقيادتكِ يصل كلَّ أصقاع الأرض وأرجاءَ السماء، فنجدِّد البيعة والولاء على العهد والوفاء.
المحامية هيفاء بنت فندي الرويلي