خضبت يديها بالسواد وجعلته رداءها، وانقلبت على أحزانها، كالبركان يثور تارة ثم يعود أكثر إثارة وقوة، حشد يقطع الأنفاس ويُرهب الحاضرين وتبلغ حممه المارة، هدئي من روعك ملكة البيان، ساحرة الأجفان، غضة المعشر باقية الصلاح..
أو لم يُخلق الإنسان هلوعًا جزوعًا، تطيب له يومًا وتنبذه ثمانية حسومًا، من منَّا خلق بلا خطيئة؟ من عاش بلا ذنب؟ من مات أبيض كما أتى؟ لا تصفني وتنحي وجهك عني، فما للقمر خدٌ يروقه ناظري، وما الدجى ظلمات أحزاني بريق أمل غير لقاك.
هل سمعت بمن “يطحن الطحين وينشر النشارة” هذا أنا وتلك أنت!
يقول في دهشة مخمور فارق عقله: “وجدتني أشحذ حد نصلها على رقبتي أحركه ذهابًا وعودة، فتجز عروقي، فما شعرت إلا بهمسها، ما بال غريق يحتمي بماء غرقه”. كنت لك حامي العرين ومقعدك اللين الطري، نظرتك الثاقبة، وسعادتك الآخرة، فكبَّرت يا رب تواليًا وسحقته، فما صعد مني نفس بعدها، محمولًا على أكتافهم وأنا أسبقهم بدموع وداع أردد “أتيت وحيدًا وعدت كذلك”. لم يبق غير الأثر عله ينصف من فارق عاشقًا ومات بعشقه، دفن الأجساد ظاهره التقى، ودفن قلوب أرهقها الهوى نعمة خالدة.. تنهي مسيرها خلف أبواب موصدة، كانت تظن أن الشجاعة فطرة أحبها، فإذا بالنهاية أكثر حبًا من حروف وداعها.
إن عادت بك الأيام فأغنمها، بئس الحياة وبئس المقام بدونها. فطوبى لمن عاش بقلب أبيض كالثلج، يرتدي من لونه البياض، ويصلح ما أفسده الدهر، ويشير ببنانه قائلًا: “من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر”!
ختامًا.. عصي الفهم هو ما تراه أنت، قريب من القلب وجميل المعشر، يستشعره هو، أيكم أحق بالصحبة.
***
ومضة:
تمضى الأيام أحسبها شهورًا، وتطوى صفحات كراستي وكأني لم أخط بها حرفًا.
يقول الأحمد:
لم أتعمد كل هذا، فقد أتاني عمدًا، فمن عجبي عجبت حتى صار إعجابًا، فقلت في نفسي تهون النفس تحت الهون إن هانت، فمن أراد الكمال يأتيه نقصانًا.
شيء من ذاته:
لو بقيتُ عمرًا أنشدك، ما بلغت أنفاسي صوت نداء سعاد!