الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيد ولد آدم أجمعين، محمد بن عبد الله النبي الأمي الأمين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد،
لقد من الله على الناس أجمعين بأن بعث إليهم رسالة الإسلام السمحاء التي ما تركت شاردةً ولا واردةً إلا وبينت ما فيها من خير أو شر، فحثت الناس على الإكثار من الخير والابتعاد عن الشر، مما يعود عليهم بخيري الدنيا والآخرة، فقد شرع الإسلام كل أعمال الخير وحث عليها في نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
ولعل من أهم ما جاءت به الشريعة الإسلامية الحث على صلة الرحم، لما فيها من منافع كثيرة تعود على الناس والأمم في مختلف العصور والأزمان، وقد حثت الشريعة الإسلامية على صلة الرحم والتعارف والتواد بين الناس، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، كما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم: (الصدقةُ على المسكينِ صدقةٌ وعلى ذي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ صدقةٌ وصِلَةٌ).
وقد خصت الشريعة الإسلامية ذوي الرحم بوجوب النفقة عليهم وفق شروط يذكرها الفقهاء ، وهو ما من شأنه أن يزيد من الروابط والمحبة بين أفراد الأسرة، فتنشأ الأسرة في ظل تعاليم الشريعة لبنة قوية تسهم في بناء المجتمع المسلم بناءً صحيحًا، والاعتناء بذوي القربى والرحم على وجه الخصوص له أهمية كبيرة في تكوين المجتمع المسلم، خاصةً وأن شعور أبناء الأسرة الواحدة أن إخوانهم وأبناء عمومتهم يعلمون ما يصيبهم من حاجة وفاقة ويسعون إلى مساعدتهم ومد يد العون لهم يزيد من مشاعر المحبة والألفة ويزيد من ارتباطهم بهم وحرصهم على مساعدتهم إذا ما ألمت بهم حاجة.
وقد حرصت الكثير من الأسر في مجتمعنا على إنشاء صندوق عائلي يهدف إلى حث أفراد الأسرة على المساهمة بمبالغ مالية دورية من أجل دعم الأعمال والمشاريع الخيرية التي يرعاها هذا الصندوق في سبيل خدمة المحتاجين من أبناء الأسرة، حيث تعمل هذه الصناديق على تجميع أموال الصدقات وما تجود به أنفس الموسرين من أبناء الأسرة وتحديد أوجه الإنفاق المستحقة ضمن مجموعة من الأهداف التي تناسب حاجات أفراد الأسرة، والحرص على إنفاقها في مصارفها الشرعية لسد حاجات ذوي القربى، وتأتي المبادرة لإنشاء هذه الصناديق في ظل حرص أبناء مجتمعنا على الالتزام بأوامر الشريعة الإسلامية التي حثت على التعاون في أوجه البر باختلافها، فقد قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ)، كما قال صلى الله عليه وسلم: (مَن دعا إلى هدًى كان له من الأجر مثل أجور مَن تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا).
وفي ضوء ما جاءت به النصوص الشرعية من الحث على العطاء والنفقة وصلة الرحم والتعاون على البر، فإن إنشاء الصناديق العائلية يعتبر من أجل أوجه البر والإحسان التي يبادر إليها المخلصون والمحسنون من أبناء الأسرة، فيبذلون أموالهم واوقاتهم في سبيل سد احتياجات أبناء أسرتهم ومساعدتهم في شؤون حياتهم؛ فتعتبر الصناديق العائلية من أفضل أشكال المؤسسات الأهلية التي تقوم على رعاية العمل الخيري الموجه للأسرة.
وعلى الرغم من أهمية الصناديق العائلية وإقبال الكثير من الأسر على تأسيس صندوق عائلي خاص بهم، إلا أن نجاح هذه الصناديق في تحقيق أهدافها والوصول إلى غايتها يتطلب العديد من الأمور التي يجب الحرص على توافرها في من يقومون على تأسيس الصندوق العائلي، ولعل من أهمها إخلاص النية لله واحتساب الأجر عنده عز وجل، حيث إن هذا العمل يحتاج إلى صبر ومثابرة وتحمل للأذى في الكثير من الأحيان، وكذلك فيجب أن يلتزم القائمون على صندوق العائلة الحكمة وحسن التعامل للتصرف بشكل سليم في المواقف المختلفة، وكذلك فإن العاملين في صندوق العائلة يجب أن يتمتعوا بالمهارات الإدارية اللازمة لإدارة الأموال والمشاريع والمبادرات التي يتم تنفيذها، ولا شك أن نجاح الصندوق يعتمد بالدرجة الأولى على العاملين فيه وما يتمتعون به من مهارات وما يمتلكونه من صفات حسنة تسهم في تشجيع أبناء العائلة على المساهمة بشكل مستمر في تقديم الدعم للصندوق.
ومن الجوانب المهمة التي يجب الانتباه إليها عند تأسيس صندوق العائلة أن يتم إنشاؤه وفقًا للصيغ والقواعد التي تقرها الجهات والمؤسسات الرسمية وفي مقدمتها وزارة الشؤون الاجتماعية والتي تعتبر الجهة الرسمية المسؤولة عن منح التراخيص للصناديق العائلية؛ وذلك ليكون عمل الصندوق موافقًا للوائح والقوانين المعمول بها وغير متجاوز لها.
وكذلك فلا بد من العمل على توفير التمويل المناسب للصندوق؛ ليكون قادرًا على تحقيق أهدافه وتنفيذ المشاريع التي تخدم أفراد الأسرة، فلا يكون اعتماد الصندوق على التبرعات والهبات فقط لأن ذلك قد يتسبب بعجز في ميزانية الصندوق؛ مما يعيق التقدم في أعماله، وكذلك يجب على القائمين على الصندوق أن يقوموا باستثمار أموال الصندوق وتنميتها ليتمكنوا من تطوير المشاريع التي ينفذها الصندوق، ومن المهم أن يكون للصندوق نظام خاص بإعلان البيانات الخاصة بالصندوق يوضح الأموال التي تدخل إليه وأوجه صرفها، وذلك لحماية هذه الأموال من الصرف بشكل عشوائي قد يعود بالضرر على الصندوق والمنتفعين من خدماته.
وبصورة عامة فلا بد أن تتم إدارة الصندوق بشكل احترافي من خلال إنشاء نظام أساسي للصندوق يوضح آليات الإدارة واختيار العاملين، وكذلك إعداد خطط استراتيجية لفترات زمنية يتم قياس إنجازات الصندوق وفقًا لها، ومن المهم أن تتضمن الخطة الاستراتيجية طبيعة الأهداف التي يسعى الصندوق إلى تحقيقها والمشاريع التي يسعى إلى تنفيذها في فترات محددة، ومن أوجه صرف المساعدات في الصناديق العائلية رعاية الأيتام والفقراء والمحتاجين، ورعاية طلاب العلم، وكذلك رعاية الاجتماعات العائلية والمساعدة في المناسبات الخاصة بأفراد الأسرة وغيرها.
وختامًا فإن الصناديق العائلية تعتبر من صور العمل الخيري المميزة، فهي تجمع بين العمل الخيري وصلة الرحم، فينبغي لجميع الأسر المبادرة إلى إنشاء مثل هذه الصناديق وتطويرها بما يسهم في تطوير المجتمع ومساعدة المحتاجين وتخفيف الأعباء عن الدولة؛ فإنشاء هذه الصناديق يسهم في تطوير المجتمع ودعم الاقتصاد كما أن له فوائد كثيرة لا يمكن حصرها.
والحمد لله رب العالمين.
المشاهدات : 41026
التعليقات: 0