في الثقافة العربية أسماء لحيوانات وطيور بعينها، رسخت في الذاكرة الجمعية للمنطقة العربية، وفي جزيرة العرب على وجه الخصوص. فمع أن الجواد العربي حظي بالمنزلة الأرفع سابحاً فوق الفيافي والقفار؛ إلا أن الصقر لم يقل عنه منزلةً وتكريمًا لدى العربي الذي صاحبه محلقًا يجوب به ومعه هذا الفضاء.
للصقر أفردت لغة العرب الكثير من الأسماء، وأطرى خصاله شعراؤهم في العديد من القصائد. ولشدة إعجابهم بنبله وخصاله أطلق الكثيرون منهم اسمه على أبنائهم، وتطورت العلاقة به مع مرور الزمن من مجرد استخدامه في الصيد “القنص” أو المقناص، إلى هواية تربيته والعناية به وتدريبه، وإلى هواية يعتز بها ممارسوها، بل أصبحت لدى بعضهم حرفة تدر عليهم الكثير من الأموال.
وقد اهتمت المملكة بالصقور مبكراً حيث تُعد هواية تربية الصقور موروثًا ثقافيًا عريقًا يتوارثه الناس جيلاً بعد جيل. كما انضمت المملكة للاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية الصقور من الانقراض وحماية الطيور المهاجرة.
اهتمام المملكة بالصقور
لقد أولت المملكة هذا الإرث الحضاري اهتمامًا كبيرًا منذ زمن طويل، واستكمالاً لهذا الدور الريادي جاء الأمر الملكي بإنشاء نادي الصقور في المملكة بتاريخ 26/10/1438 هـ الموافق 20/7/2017م، بهدف إيجاد رابطة تجمع هواة تربية الصقور نظراً لأهمية رعايتها وارتباطها بتراثنا وثقافتنا.
وبدوره دشن النادي عدة مبادرات وفعاليات، منها معرض الصقور والصيد السعودي، والذي شهد العام الماضي نجاحًا كبيرًا وحضورًا جماهيريًا واسعًا، حيث استقبل أكثر من 170 ألف زائر على مدار 5 أيام، بمشاركة 250 جهة عارضة محلية ودولية تمثل 20 دولة، ولبى شغف الهواة من خلال جنباته وواحاته المبهرة، إضافة إلى تنظيم النادي لمهرجان الملك عبدالعزيز للصقور في نسخته الأولى ، وحقق المهرجان نجاحات كبيرة وسجل رقما قياسيا بعدد الصقور المشاركة في مسابقاته حيث بلغ عدد الصقور المشاركة 1723 صقرا ليدخل المهرجان موسوعة غينيتس العالمية للأرقام القياسية.
مميزات الطبيعة السعودية
لقد حبا الله المملكة بموقع جغرافي يمثل نقطة اتصال بين قارات ثلاث، ويضم تكوينها الجيولوجي إقليمين من الأقاليم الثمانية المعروفة هما: الإقليم الأوروبي الآسيوي، والإقليم الأفريقي الاستوائي، مما أهلها لامتلاك مكونات بيئية استقطبت كماً وفيراً من الحيوانات والطيور في بيئتيها البحرية والبرية؛ فقد اُكتشفت آثارٌ للصقور في الجزيرة العربية تجاوز عمرها 9 ألاف سنة قبل الميلاد، في منطقة تقع بين محافظتي تثليث ووادي الدواسر.
وحرصا من المملكة على هذا موروث الصيد بالصقور فقد دعمت اقتراح اللجنة الحكومية الدولية الخاصة بحماية التراث الثقافي غير المادي في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة – اليونسكو – في 16 نوفمبر 2010م، بغية تسجيل هواية الصيد بالصقور على لائحة التراث العالمي غير المادي، وجرى اعتماد هذا التسجيل ليسهم بلا شك في رؤية أفضل لهذا الإرث الثقافي غير المادي وإبراز أهميته ويشجع الحوار الذي يحترم التنوع الثقافي للشعوب.
العهد الزاهر للملك سلمان
في الـ 20 من شهر يوليو 2017م، أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله- ، أمراً ملكياً بإنشاء “نادي الصقور”، نظير ارتباط الصقر بتاريخنا، وتراثنا، وثقافتنا، كما أمر – أيده الله – في ذلك السياق أن يكون صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع مشرفاً عاماً على النادي، وصاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية رئيسا لمجلس إدارة النادي.
وجاء الأمر الملكي بإنشاء نادي للصقور، وإشراف سمو ولي العهد عليه، في الوقت الذي تعاني فيه الصقور من تدهور أعدادها على مستوى العالم، وخاصة صقور الصيد البرية المسجلة في المملكة سواء المهاجرة أو المقيمة، ولمواجهة التحديات الكبيرة للمحافظة على الأنواع البرية المحلية التي بدأت بالتناقص بشكل كبير.
تطلعات نادي الصقور
ويهدف نادي الصقور إلى المحافظة على التراث التاريخي والتقاليد المرتبطة بثقافة الصيد بالصقور، وتنفيذ العديد من الفعاليات والأنشطة للتوعية والتدريب والبحوث وبرامج العمل من أجل حماية الصقور، بما يسهم في ازدهار هواية الصيد لتبقى إرثًا تتوارثه الأجيال، وذلك تحقيقًا لأهداف رؤية المملكة 2030.
ويعبر نادي الصقور عن تاريخ وحضارة الآباء والأجداد الذين عاشوا على الجزيرة العربية عبر حضارات عريقة متنوعة، وسيجمع الصقارين في المملكة ويوحّد جهودهم، ويضبط عملية الصيد، فضلا عن إتاحة الفرصة لمعرفة الأوضاع الصحية للصقور ومتابعتها، وحفظ بعض سلالاتها من الانقراض مثل: الصقر الحر الذي يعتد بها العرب كثيرًا، وتوظيف الصقارين في مختلف مناطق المملكة خاصة في المناطق التي يعرف فيها تواجد الصقور، مع إقامة محميات صيد للصقور لتكون عامل جذب سياحي للصقارين خلال موسم الصيد.